للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المواظبة على الشيء. أي تابعنا عليهم بالمطر من السماء والنبات من الأرض ورفعنا عنهم القحط والجدب وَلكِنْ كَذَّبُوا يعني فعلنا بهم ذلك ليؤمنوا فما آمنوا ولكن كذبوا يعني الرسل فَأَخَذْناهُمْ يعني بأنواع العذاب بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني أخذناهم بسبب كسبهم الأعمال الخبيثة.

قوله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى هو استفهام بمعنى الإنكار وفيه وعيد وتهديد وزجر، والمراد بالقرى مكة وما حولها، وقيل: هو عام في كل أهل القرى الذين كفروا وكذبوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا يعني عذابنا بَياتاً يعني ليلا وَهُمْ نائِمُونَ.

[سورة الأعراف (٧): الآيات ٩٨ الى ١٠١]

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩) أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١)

أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى يعني نهارا لأن الضحى صدر النهار وَهُمْ يَلْعَبُونَ يعني:

وهم ساهون لاهون غافلون عما يراد بهم. والمقصود من الآية أن الله خوفهم بنزول العذاب وهم في غاية الغفلة وهو حال النوم بالليل وحال الضحى بالنهار لأنه الوقت الذي يغلب على الإنسان التشاغل فيه بأمور الدنيا، وأمور الدنيا كلها لعب ويحتمل أن يكون المراد خوضهم في كفرهم وذلك لعب أيضا لأنه يضر ولا ينفع أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ يعني استدراجه إياهم بما أنعم عليهم من الدنيا وقيل: المراد به أن يأتيهم عذابه من حيث لا يشعرون، وعلى هذا الوجه فيكون بمعنى التحذير وسمي هذا العذاب مكرا لنزوله وهم في غفلة عنه لا يشعرون به فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ يعني أنه لا يأمن أن يكون ما أعطاهم من النعمة مع كفرهم استدراجا إلا من خسر في أخراه وهلك مع الهالكين أَوَلَمْ يَهْدِ أو لم يبين لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ هلاك أَهْلِها الذين كانوا من قبلهم فورثوها عنهم وخلفوهم أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ يعني لو نشاء أخذناهم وعاقبناهم بسبب كفرهم وَنَطْبَعُ أي نختم عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ يعني لا يسمعون موعظة ولا يقبلون الإيمان ونطبع منقطع عما قبله والمعنى ونحن نطبع على قلوبهم ويجوز أن يكون معطوفا على الماضي ولفظه لفظ المستقبل والمعنى لو شئنا طبعنا على قلوبهم تِلْكَ الْقُرى يعني هذه القرى التي ذكرنا لك يا محمد أمرها وأمر أهلها وهي قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها يعني نخبرك عنها وعن أخبار أهلها وما كان من أمرهم وأمر رسلهم الذين أرسلوا إليهم لتعلم يا محمد إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا معهم على أعدائنا وأعدائهم من أهل الكفر والعناد وكيف أهلكناهم بكفرهم وبمخالفتهم رسلهم ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتحذير لكفار قريش أن يصيبهم مثل ما أصابهم وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ يعني لأهل تلك القرى رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني جاءتهم رسلهم بالمعجزات الباهرات والبراهين الدالة على صدقهم فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ اختلف أهل التفسير في معنى ذلك فقيل: معناه فما كانوا هؤلاء المشركين الذين أهلكناهم من أهل القرى ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم رسلهم بما كذبوا من قبل ذلك وهو يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام فأقروا باللسان وأضمروا التكذيب وهذا معنى قول ابن عباس والسدي. قال السدي: آمنوا كرها يوم أخذ الميثاق، وقال مجاهد:

فما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ومعاينتهم العذاب ليؤمنوا بما كذبوا من قبل هلاكهم وقيل معناه فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق لهم في علم الله أنهم يكذبون به حين أخرجهم من صلب آدم عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>