أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ يعني أنه قال لهم ذلك لما تيقن نزول العذاب بقومه واختلفوا هل كان ذلك القول قبل نزول العذاب أو بعده على قولين سبقا في قصة صالح عليه الصلاة والسلام وقوله فَكَيْفَ آسى يعني أحزن عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ والأسى أشد الحزن وإنما اشتد حزنه على قومه لأنهم كانوا كثيرين وكان يتوقع منهم الإجابة والإيمان فلما نزل بهم ما نزل من العذاب عزى نفسه فقال كيف أحزن على قوم كافرين لأنهم هم الذين أهلكوا أنفسهم بإصرارهم على الكفر. وقيل في معنى الآية إن شعيبا قال لقد أعذرت إليكم في الإبلاغ والنصيحة والتحذير فلم تسمعوا قولي ولم تقبلوا نصحي فكيف أحزن عليكم يعني إنكم لستم مستحقّين لأن يحزن عليكم.
فعلى القول الأول: إنه حصل لشعيب حزن على قومه.
وعلى القول الثاني: لم يحزن عليه والله أعلم.
وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ فيه إضمار وحذف تقديره فكذبوه إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ قال ابن مسعود: البأساء الفقر والضراء المرضى وهو معنى قول الزجاج: فإنه قال البأساء كل ما نالهم من الشدة في أموالهم والضراء كل ما نالهم من الأمراض. وقيل: البأساء الشدة وضيق العيش والضراء الضر وسوء الحال لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ يعني إنما فعلنا بهم ذلك لكي يتضرعوا ويتوبوا والتضرع الخضوع والانقياد لأمر الله عز وجل والمراد من هذه الآية أن الله عز وجل لما عرف نبيه صلى الله عليه وسلم أحوال الأنبياء مع أممهم المكذبة وقص عليه من أخبارهم وعرفه سنته في الأمم الذين خلوا من قبله وما صاروا إليه من الهلاك والعذاب عرفه في هذه الآية أنه قد أرسل رسلا إلى أمم أخر فكذبوا رسلهم فأخذهم بالبأساء والضراء كما فعل بمن كذب برسله وفيه تخويف وتحذير الكفار قريش وغيرهم من لكفار لينزجروا عما هم عليه من الكفر والتكذيب ثم بين تعالى أنه لا يجري تدبيره في أهل القرى على نمط واحد وسنة واحدة إنما يدبرهم بما يكون إلى الإيمان أقرب وهو قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ لأن ورود النعمة على البدن والمال بعد الشدة والضيق يستدعي الانقياد للطاعة والاشتغال بالشكر. قال أهل اللغة: السيئة كل ما يسوء صاحبه والحسنة كل ما يستحسنه الطبع والعقل فالسيئة والحسنة هنا الشدة والرخاء. والمعنى أنه تعالى بدل مكان البأساء والضراء النعمة والسعة والخصب والصحة في الأبدان فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يأخذ أهل المعاصي والكفر تارة بالشدة وتارة بالرخاء على سبيل الاستدراج وهو قوله حَتَّى عَفَوْا يعني أنه فعل ذلك بهم حتى كثروا وكثرت أموالهم. يقال: عفا الشعر إذا كثر وطال. قال مجاهد: حتى كثرت أموالهم وأولادهم وَقالُوا يعني من غرتهم وغفلتهم بعد ما صاروا إلى الرخاء والسعة قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ يعني أنهم قالوا هكذا عادة الدهر قديما وحديثا لنا ولآبائنا ولم يكن ما مسنا من الشدة والضراء عقوبة لنا من الله تعالى على ما نحن عليه فكونوا على ما أنتم عليه كما كان آباؤكم من قبل فإنهم لم يتركوا دينهم مما أصابهم من الضراء والسراء قال الله تعالى: فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً يعني أخذناهم فجأة آمن ما كانوا ليكون ذلك أعظم لحسرتهم وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يعني بنزول العذاب بهم والمراد بذكر هذه القصة اعتبار من سمعها لينزجر عما هو عليه من الذنوب.
قوله عز وجل: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لما بين الله تعالى في هذه الآية الأولى إن الذين عصوا وتمردوا أخذهم بعذابه بين في هذه الآية أنهم لو آمنوا يعني بالله ورسوله وأطاعوه فيما أمرهم به واتقوا يعني ما نهى الله تعالى عنه وحرمه عليهم لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وبركات السماء المطر وبركات الأرض النبات والثمار وجميع ما فيها من الخيرات والأنعام والأرزاق والأمن والسلامة من الآفات وكل ذلك من فضل الله تعالى وإحسانه على عباده. وأصل البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء وسمي المطر بركة السماء لثبوت البركة فيه وكذا ثبوت البركة في نابت الأرض لأنه نشأ عن بركات السماء وهي المطر. وقال البغوي: أصل البركة