وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يعني هؤلاء الكفار ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ أي في الدنيا وهذا استفهام تقريع وتقرير للكفار فتتبرأ الملائكة منهم من ذلك وهو قوله تعالى قالُوا سُبْحانَكَ أي تنزيها لك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ أي نحن نتولاك ولا نتولاهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ يعني الشياطين. فان قلت قد عبدوا الملائكة فكيف وجه قوله بل كانوا يعبدون الجن. قلت أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فأطاعوهم في ذلك فكانت طاعتهم للشياطين عبادة لهم وقيل صوروا لهم صورا وقالوا لهم هذه صور الملائكة فاعبدوها فعبدوها وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام فيعبدون بعبادتها أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ يعني مصدقون للشياطين قال الله تعالى فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً أي شفاعة وَلا ضَرًّا أي بالعذاب يريد أنهم عاجزون ولا نفع عندهم ولا ضر وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلَّا رَجُلٌ يعنون محمدا صلّى الله عليه وسلّم يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً يعنون القرآن وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ وَما آتَيْناهُمْ يعني هؤلاء المشركين مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها أي يقرءونها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا أنزل إليهم كتاب وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من الأمم السالفة رسلنا وَما بَلَغُوا يعني هؤلاء المشركين مِعْشارَ أي عشر ما آتَيْناهُمْ أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول الأعمار فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري عليهم يحذر بذلك كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية. قوله عز وجل قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ أي آمركم وأوصيكم بِواحِدَةٍ أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ أي لأجل الله مَثْنى أي اثنين وَفُرادى أي واحدا واحدا ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا أي تجتمعوا جميعا فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلّى الله عليه وسلّم فتعلموا أن ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصا ثم تتفكروا في أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم وما جاء به أما الاثنان فيتفكران، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضا بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنونا قط أو جربنا عليه كذبا قط وقد علمتم أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلا وأوزنهم حلما وأحدهم ذهنا وأرصنهم رأيا وأصدقهم قولا وأزكاهم نفسا، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء