قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لما ذكر الله عز وجل الكفار بسبب مشاقتهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال تعالى: وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ قال عطاء: يعني بالشرك والنفاق والمنى. داوموا على ما أنتم عليه من الإيمان والطاعة ولا تشركوا فتبطل أعمالكم.
وقيل: لا تبطلوا أعمالكم بترك طاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كما أبطل أهل الكتاب أعمالهم بتكذيب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعصيانه. وقال الكلبي: لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والسمعة لأن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا لوجهه الكريم. وقال الحسن: لا تبطلوا أعمالكم بالمعاصي والكبائر. قال أبو العالية: كان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرون أنه لا يضرهم مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل فنزلت هذه الآية فخافوا من الكبائر بعد أن نحبط أعمالهم واستدل بهذه الآية من يرى إحباط الطاعات بالمعاصي ولا حجة لهم فيها وذلك لأن الله تعالى يقول:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ وقال تعالى: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً فالله تعالى أعدل وأكرم من أن يبطل طاعات سنين كثيرة بمعصية واحدة وروى ابن عمر أنه قال: كنا نرى أنه لا شيء من حسناتنا إلا مقبولا حتى نزل وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا. فقلنا: الكبائر والفواحش حتى نزل إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فكففنا عن ذلك القول وكنا نخاف على من أصاب الكبيرة ونرجو لمن لم يصبها واستدل بهذه الآية من لا يرى إبطال النوافل حتى لو دخل في صلاة تطوع أو صوم تطوع لا يجوز له إبطال ذلك العمل والخروج منه ولا دليل لهم في الآية ولا حجة لأن السنة مبينة للكتاب «وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أصبح صائما فلما رجع إلى البيت وجد حيسا فقال لعائشة قربيه فلقد أصبحت صائما فأكل» وهذا معنى الحديث وليس بلفظه وفي الصحيحين أيضا أن سلمان زار أبا الدرداء فصنع له طعاما فلما قربه إليه قال. كل فإني صائم قال لست بآكل حتى تأكل فأكل معه وقال مقاتل في معنى الآية لا تمنوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فتبطل أعمالكم نزلت في بني أسد وسنذكر القصة في تفسير سورة الحجرات إن شاء الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ قيل نزلت في أهل القليب وهم أبو جهل وأصحابه الذين قتلوا ببدر وألقوا في قليب بدر وحكمها عام في كل كافر مات على كفره فالله لا يغفر له لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فَلا تَهِنُوا الخطاب فيه لأصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم هو عام لجميع المسلمين يعني فلا تضعفوا أيها المؤمنون وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ يعني ولا تدعوا الكفار إلى الصلح أبدا منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح وأمرهم بحربهم حتى يسلموا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يعني وأنتم الغالبون لهم والعالون عليهم. أخبر الله تعالى أن الأمر للمسلمين والنصرة والغلبة لهم عليهم وإن غلبوا المسلمين في بعض الأوقات وَاللَّهُ مَعَكُمْ يعني بالنصر والمعونة ومن كان الله معه فهو العالي الغالب وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ يعني لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم. وقال ابن عباس وغيره: لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها ثم حض على الآخرة بذم الدنيا فقال تعالى: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ أي باطل وغرور يعني كيف تمنعكم الدنيا عن طلب الآخرة وقد علمتم أن الدنيا كلها لعب ولهو إلا ما كان منها في عبادة لله عز وجل وطاعته واللعب ما يشغل الإنسان وليس فيه منفعة في الحال ولا في المآل ثم إذا استعمله الإنسان ولم يشغله عن غيره ولم ينسه أشغله المهمة فهو اللعب وإن أشغله عن مهمات نفسه فهو اللهو وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ يعني يؤتكم جزاء أعمالكم في الآخرة وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ يعني أن الله تعالى لا يسأل من العباد أموالهم لإيتاء الأجر عليهم، بل يأمرهم بالإيمان والتقوى والطاعة ليثيبهم عليها الجنة. وقيل: معناه ولا يسألكم محمد صلّى الله عليه وسلّم أموالكم وقيل: معناه لا يسألكم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم أموالكم