قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً يعني طبقا على طبق بعضها فوق بعض كل سماء مقبية على الأخرى وسماء الدنيا كالقبة على الأرض قال كعب الأحبار سماء الدنيا موج مكفوف والثانية مرمرة بيضاء والثالثة حديد والرابعة صفر أو قال نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء وما بين السماء إلى الحجب السبعة صحار من نور، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ أي ما ترى يا ابن آدم في شيء مما خلق الرّحمن اعوجاجا ولا اختلافا ولا تناقضا بل خلقهن مستقيمة مستوية فَارْجِعِ الْبَصَرَ أي كرر النظر هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ أي من شقوق وصدوع ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ قال ابن عباس مرة بعد مرة يَنْقَلِبْ أي ينصرف إِلَيْكَ فيرجع الْبَصَرُ خاسِئاً أي صاغرا ذليلا مبعدا لم ير ما يهوي وَهُوَ حَسِيرٌ أي كليل منقطع لم يدرك ما طلب وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا أي القربى من الأرض وهي التي يراها الناس بِمَصابِيحَ أي بكواكب كالمصابيح في الإضاءة وهي أعلام الكواكب، وقال ابن عباس بنجوم لها نور وقيل خلق الله النجوم لثلاث زينة للسماء وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ورجوما للشياطين وهو قوله تعالى: وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ قال ابن عباس: يرجم بها الشياطين الذين يسترقون السمع.
فإن قلت جعل الكواكب زينة للسماء يقتضي بقاءها وجعلها رجوما للشياطين يقتضي زوالها فكيف الجمع بين هاتين الحالتين.
قلت قالوا إنه ليس المراد أنهم يرمون بأجرام الكواكب بل يجوز أن تنفصل من الكواكب شعلة وترمي الشياطين بتلك الشعلة وهي الشهب ومثلها كمثل قبس يؤخذ من النار وهي على حالها وَأَعْتَدْنا لَهُمْ أي وأعتدنا للشياطين بعد الاحتراق في الدنيا عَذابَ السَّعِيرِ أي في الآخرة وهي النار الموقدة وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أي ليس العذاب مختصا بالشياطين بل لكل من كفر بالله من إنس وجن عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ثم وصف جهنم فقال تعالى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً هو أول صوت نهيق الحمار وذلك أقبح الأصوات وَهِيَ تَفُورُ أي تغلي بهم كغلي المرجل وقيل تفور بهم كما يفور الماء الكثير بالحب القليل، تَكادُ تَمَيَّزُ أي تتقطع مِنَ الْغَيْظِ من تغيظها عليهم كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ أي جماعة سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها يعني سؤال توبيخ وتقريع أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ أي رسول ينذركم.