فيمن كذبوا عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وكان فيمن قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام وإنما فعلوا ذلك نقضا للميثاق وجراءة على الله عز وجل ومخالفة لأمره.
قوله تعالى: وَحَسِبُوا يعني وظنّ هؤلاء الذين كذبوا الرسل وقتلوا الأنبياء أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ يعني أن لا يعذبهم الله ولا يبتليهم بذلك الفعل الذي فعلوه وإنما حملهم على هذا الظن الفاسد أنهم كانوا يعتقدون أن كل رسول جاءهم بشرع آخر غير شرعهم يجب عليهم تكذيبه وقتله. فلهذا السبب حسبوا أن لا يكون فعلهم ذلك فتنة يبتلون بها. وقيل: إنما قدموا على ذلك لاعتقادهم أن آباءهم وأسلافهم يدفعون عنهم العذاب في الآخرة فَعَمُوا وَصَمُّوا يعني أنهم عموا عن الحق فلم يبصروه وصموا عنه فلم يسمعوه وهذا العمى هو كناية عن عمى البصيرة لا البصر وكذلك الصمم هو كناية عن منع نفوذ الحق إلى قلوبهم وسبب ذلك شدة جهلهم وقوة كفرهم وإعراضهم عن قبول الحق قال بعض المفسرين سبب هذا العمى والصمم عبادتهم العجل في زمن موسى عليه السلام ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعني أنهم لما تابوا من عبادتهم العجل تاب الله عليهم ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا يعني في زمان زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام لأنهم كذبوا عيسى وقتلوا زكريا ويحيى وقيل إن العمى والصمم الأول كان بعد موسى ثم تاب الله عليهم يعني ببعثه عيسى عليه السلام ثم عموا وصموا يعني بسبب الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم كَثِيرٌ مِنْهُمْ من اليهود لأن بعضهم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم مثل عبد الله بن سلام وأصحابه وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ يعني من قتل الأنبياء وتكذيب الرسل.
قوله عز وجل: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ لما حكى الله عن اليهود ما حكاه من نقضهم الميثاق وقتلهم الأنبياء وتكذيبهم الرسل وغير ذلك شرع في الأخبار عن كفر النصارى وما هم عليه من فساد الاعتقاد فقال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وهذا قول اليعقوبية والملكانية من النصارى لأنهم لا يقولون إن مريم ولدت إلها ولأنهم يقولون إن الإله جل وعلا حل في ذات عيسى واتحد به فصار إلها تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ يعني وقد كان المسيح قال هذا لبني إسرائيل عند مبعثه إليهم وهذا تنبيه على ما هو الحجة القاطعة على فساد قول النصارى ذلك لأنه عليه السلام لم يفرق بينه وبين غيره في العبودية والإقرار لله بالربوبية وإن دلائل الحدوث ظاهرة عليه إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ يعني أنه من يجعل له شريكا من خلقه فقد حرم الله عليه الجنة يعني إذا مات على شركه وَمَأْواهُ النَّارُ يعني أنه يصير إلى النار في الآخرة وَما لِلظَّالِمِينَ يعني وما للمشركين الذين ظلموا أنفسهم بالشرك مِنْ أَنْصارٍ يعني ما لهم من أنصار ينصرونهم ويمنعونهم من العذاب يوم القيامة.
قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وهذا قول المرقوسية والنساورية من النصارى.
ولتفسير قول النصارى طريقان: أحدهما وهو قول أكثر المفسرين إنهم أرادوا بهذه المقالة أن الله ومريم وعيسى