للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمَعُوا لَكُمْ إلى قوله وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد صلّى الله عليه وسلّم حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم. قوله تعالى: فَانْقَلَبُوا أي فانصرفوا ورجعوا بعد خروجهم والمعنى وخرجوا فانقلبوا فحذف الخروج لأن الانقلاب يدل عليه بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بعافية لم يلقوا عدوا وَفَضْلٍ أي تجارة وربح وهو ما أصابوا في سوق بدر من الربح وقيل النعمة منافع الدنيا والفضل ثواب الآخرة لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ أي لم يصيبهم أذى ولا مكروه من قتل وجراح وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ يعني في طاعة الله وطاعة رسوله وقيل إنهم قالوا هل يكون هذا غزوا فأعطاهم الله ثواب الغزو ورضي عنهم بمجرد خروجهم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ يعني أنه تعالى تفضل عليهم بالتوفيق لما فعلوا وقيل تفضل عليهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين حتى رجعوا قوله عز وجل:

[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٧٥ الى ١٧٨]

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥) وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨)

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ يعني إنما ذلكم المخوف والمثبط هو الشيطان يخوف بالوسوسة بأن ألقى ذلك في أفواههم ليرهبوا المؤمنين ويخوفوهم ويجبنوهم قوله أولياءه يعني الشيطان يخوفكم يا معشر المؤمنين بأوليائه. وقيل معناه أولياءه في صدوركم لتخافوهم وقيل معناه يخوف أولياءه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين وأولياء الشيطان هم الكفار والمنافقون الذين يطيعونه ويؤثرون أمره وأولياء الله هم المؤمنون الذين لا يخافون الشيطان إذا خوفهم ولا يطيعونه إذا أمرهم فَلا تَخافُوهُمْ يعني فلا تخافوا أولياء الشيطان ولا تقعدوا عن قتلهم ولا تجبنوا عنهم وَخافُونِ أي فجاهدوا في سبيلي مع رسولي فإني وليكم وناصركم إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي مصدقين بوعدي إني متكفل لكم بالنصر والظفر. قوله تعالى: وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ قيل هم كفار قريش وقيل هم المنافقون ورؤساء اليهود وقيل هم قوم ارتدوا عن الإسلام والمعنى ولا يحزنك يا محمد من يسارع في الكفر ويجمع الجموع لمحاربتك فإن هذا المقصود لا يحصل له وقيل مسارعتهم في الكفر ومظاهرتهم الكفار على النبي صلّى الله عليه وسلّم والمعنى يسارعون في نصرة الكفر فلا يحزنك فعلهم فإنك منصور عليهم إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني بمسارعتهم في الكفر إنما يضرون أنفسهم بذلك وقيل معناه لن يضروا أولياء الله شيئا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ يعني لا يجعل لهم نصيبا في ثواب الآخرة فلذلك خذلهم حتى سارعوا في الكفر. وفي الآية دليل على أن الخير والشرّ بإرادة الله تعالى وفيه رد على القدرية والمعتزلة وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يعني في الآخرة إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ يعني المنافقين آمنوا ثم كفروا والمعنى أنهم استبدلوا الكفر بالإيمان فكأنهم أعطوا الإيمان وأخذوا الكفر كما يفعل المشتري من إعطاء شيء وأخذ غيره بدلا عنه لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يعني باستبدالهم الكفر بالإيمان وإنما ضروا أنفسهم بذلك وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الآخرة.

قوله عز وجل: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا قرئ تحسبن بالتاء والياء فمن قرأ بالتاء فمعناه ولا تحسبن يا محمد إملاءنا للكفار خير لأنفسهم ومن قرأ بالياء قال: معناه ولا يحسبن الكفار إملاءنا لهم خيرا نزلت في مشركي مكة وقيل نزلت في يهود بني قريظة والنضير أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ الإملاء الإمهال والتأخير وأصله من الملوءة وهي المدة من الزمان والمعنى ولا يظنن الذين كفروا إن إمهالنا إياهم بطول العمر والإنساء في الأجل

<<  <  ج: ص:  >  >>