للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الجمعة (٦٢): الآيات ١٠ الى ١١]

فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)

قوله عز وجل: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ أي إذا فرغ من صلاة الجمعة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ يعني الرزق وهذا أمر إباحة قال ابن عباس إن شئت فاخرج وإن شئت فاقعد وإن شئت فصل إلى العصر وقيل قوله فانتشروا في الأرض ليس لطلب دنيا ولكن لعيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله وقيل وابتغوا من فضل الله هو طلب العلم وعن عراك بن مالك أنه كان إذا صلّى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد وقال اللهم أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً أي إذا فرغتم من الصلاة ورجعتم إلى التجارة والبيع والشراء فاذكروا الله كثيرا قيل باللسان وقيل بالطاعة قيل لا تكون من الذاكرين الله كثيرا حتى تذكره قائما وقاعدا ومضطجعا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً (ق) عن جابر قال «بينما نحن نصلي مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أقبلت عير تحمل طعاما فانفتلوا إليها حتى ما بقي مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا إثنا عشر رجلا فنزلت هذه الآية وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما» وفي رواية «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يخطب قائما فجاءت عير من الشام وذكر نحوه» وفيه «إلا اثنا عشر رجلا فيهم أبو بكر وعمر» ولمسلم «كنا مع النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الجمعة فقدمت سويقة قال فخرج الناس إليها فلم يبق إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم» وذكر الحديث وهو حجة من يرى صحة الجمعة باثني عشر رجلا.

وأجيب عنه بأنه ليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة حتى يكون الحديث حجة لاشتراط هذا العدد وقال ابن عباس في رواية عنه لم يبق في المسجد إلا ثمانية رهط قال الحسن وأبو مالك «أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر فقدم دحية بن خليفة الكلبي بتجارة زيت وطعام من الشام والنبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب فلما رأوه بالبقيع قاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه فلم يبق مع النبي صلّى الله عليه وسلّم إلا رهط فيهم أبو بكر وعمر، فنزلت هذه الآية فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم والذي نفس محمد بيده لو تتابعتم حتى لا يبقى منكم أحد لسال بكم الوادي نارا» وقال مقاتل «بينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة إذ قدم دحية بن خليفة الكلبي من الشام بالتجارة وكان إذا قدم لم تبق عاتق بالمدينة إلا أتته وكان يقدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق وبر وزيت وغيره وينزل عند أحجار الزيت وهو مكان في سوق المدينة ثم يضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه فيخرج إليه الناس ليبتاعوا منه فقدم ذات جمعة وذلك قبل أن يسلم ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم على المنبر يخطب فخرج إليه الناس ولم يبق في المسجد إلا اثنا عشر رجلا وامرأة فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم كم بقي في المسجد؟ فقالوا اثني عشر رجلا وامرأة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم لولا هؤلاء لسومت لهم الحجارة من السماء فأنزل الله هذه الآية» وأراد باللهو الطبل وكانت العير إذا قدمت استقبلوها بالطبل والتصفيق، وقوله تعالى انفضوا أي تفرقوا وذهبوا نحوها والضمير في إليها راجع إلى التجارة لأنها أهم إليهم وتركوك قائما اتفقوا على أن القيام كان في الخطبة للجمعة قال علقمة «سئل ابن مسعود أكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يخطب قائما أو قاعدا؟ قال أما تقرؤون وتركوك قائما» قال العلماء الخطبة فريضة في صلاة الجمعة وقال داود الظاهري هي مستحبة ويجب أن يخطب الإمام قائما خطبتين يفصل بينهما بجلوس وقال أبو حنيفة وأحمد لا يشترط القيام ولا القعود وتشترط الطهارة في الخطبة عند الشافعي في أحد القولين وأقل ما يقع عليه اسم الخطبة أن يحمد الله ويصلي على النبي صلّى الله عليه وسلّم ويوصي بتقوى الله هذه الثلاث شروط في الخطبتين جميعا ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن ويدعو للمؤمنين في الثانية ولو ترك واحدة من هذه الخمسة لم تصح خطبته ولا جمعته عند الشافعي وذهب أبو حنيفة إلى أنه لو أتى بتسبيحة أو تحميدة أو تكبيرة أجزأه وهذا القدر لا يقع عليه اسم الخطبة وهو مأمور بالخطبة والسنة للإمام إذا صعد المنبر أن يستقبل الناس وأن يسلم عليهم خلافا لأبي حنيفة ومالك وهل يحرم الكلام في حال الخطبة فيه خلاف بين العلماء والأصح أنه يحرم على المستمع دون الخاطب ويستحب أن يصلي تحية المسجد إذا دخل والإمام يخطب خلافا لأبي حنيفة ومالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>