على الماء فضحكوا منه قالَ يعني نوحا لقومه إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ يعني إن تستجهلونا في صنعنا فإنا نستجهلكم لتعرضكم لما يوجب سخط الله وعذابه، فإن قلت السخرية لا تليق بمنصب النبوة فكيف قال نوح عليه السلام إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون.
قلت إنما سمي هذا الفعل سخرية على سبيل الازدواج في مشاكلة الكلام كما في قوله سبحانه وتعالى:
وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها والمعنى إنا نرى غب سخريتكم بنا إذا نزل بكم العذاب وهو قوله تعالى:
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ يعني فسترون مَنْ يَأْتِيهِ يعني أينا يأتيه نحن أو أنتم عَذابٌ يُخْزِيهِ يعني يهينه وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ يعني في الآخرة فالمراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا وهو الغرق والمراد بالعذاب الثاني عذاب الآخرة وعذاب النار الذي لا انقطاع له.
وقوله عز وجل: حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ يعني وغلى والفور الغليان وفارت القدر إذا غلت.
والتنور: فارسي معرب لا تعرف له العرب اسما غير هذا فلذلك جاء في القرآن بهذا اللفظ فخوطبوا بما يعرفون وقيل إن لفظ التنور جاء هكذا بكل لفظ عربي وعجمي وقيل إن لفظ التنور أصله أعجمي فتكلمت به العرب فصار عربيا مثل الديباج ونحوه واختلفوا في المراد بهذا التنور، فقال عكرمة والزهري: هو وجه الأرض وذلك أنه قيل لنوح عليه السلام إذا رأيت الماء قد فار على وجه الأرض فاركب السفينة فعلى هذا يكون قد جعل فوران التنور علامة لنوح على هذا الأمر العظيم وقال علي: فار التنور أي طلع الفجر ونور الصبح شبه نور الصبح بخروج النار من التنور، وقال الحسن ومجاهد والشعبي: إن التنور هو الذي يخبز فيه، وهو قول أكثر المفسرين ورواية عن ابن عباس، أيضا وهذا القول أصح لأن اللفظ إذا دار بين الحقيقة والمجاز كان حمله على الحقيقة أولى ولفظ التنور حقيقة في اسم الموضع الذي يخبز فيه فوجب حمل اللفظ عليه.
فإن قلت الألف واللام في لفظ التنور للعهد وليس هاهنا معهود سابق عند السامع فوجب حمله على غيره وهو شدة الأمر والمعنى إذا رأيت الماء يشتد نبوعه ويقوى فانج بنفسك ومن معك.
قلت: لا يبعد أن يكون ذلك التنور معلوما عند نوح عليه السلام، قال الحسن كان تنورا من حجارة وكانت حواء تخبز فيه ثم صار إلى نوح وقيل له إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك واختلفوا في موضع التنور فقال مجاهد نبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته وكان ذلك في ناحية الكوفة وكان الشعبي يحلف بالله ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة، قال الشعبي: اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة وكان فوران التنور علامة لنوح عليه السلام، وقال مقاتل: كان ذلك التنور تنور آدم وكان بالشام بموضع يقال له عين وردة وروي عن ابن عباس أنه كان بالهند قال: والفوران الغليان قُلْنَا احْمِلْ فِيها يعني: قلنا لنوح احمل في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ الزوجان كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر كالذكر والأنثى يقال لكل واحد منهما زوج والمعنى من كل صنف زوجين ذكرا أو أنثى فحشر الله سبحانه وتعالى إليه الحيوان من الدواب والسباع والطير فجعل نوح يضرب بيديه في كل جنس منها فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى فيجعلهما في السفينة وَأَهْلَكَ أي واحمل أهلك وولدك وعيالك إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ يعني بإهلاك وأراد به امرأته واعلة وولده كنعان وَمَنْ آمَنَ يعني واحمل معك من آمن بك من