للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبرهان وذلك بأنهم قالوا: ائتنا بآية على ما تقول فأنزل الله تعالى هذه الآية: ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ يعني الكعبة وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ يعني أن اليهود تصلي إلى بيت المقدس والنصارى إلى المشرق وأنت يا محمد تصلّي إلى الكعبة. فكيف يكون سبيل إلى اتباع قبلة أحد هؤلاء مع اختلاف جهاتها فالزم أنت قبلتك التي أمرت بالصلاة إليها وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ يعني وما اليهود بتابعة قبلة النصارى ولا النصارى بتابعة قبلة اليهود، لأن اليهود والنصارى لا يجتمعون على قبلة واحدة وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ يعني مرادهم ورضاهم لو رجعت إلى قبلتهم مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ أي في أمر القبلة وقيل معناه: من بعد ما وصل إليك من العلم بأن اليهود والنصارى مقيمون على باطل، وعناد للحق إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ يعني أنك إن فعلت ذلك كنت بمنزلة من ظلم نفسه وضرها. قيل: هذا خطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم والمراد به الأمة لأنه صلّى الله عليه وسلّم لا يتبع أهواءهم أبدا. وقيل: هو خطاب له خاصة فيكون ذلك على سبيل التذكير والتنبيه. قوله عز وجل:

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٤٦ الى ١٤٨]

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨)

الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني علماء اليهود والنصارى وقيل: أراد به مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه يَعْرِفُونَهُ أي يعرفون محمدا صلّى الله عليه وسلّم معرفة جلية بالوصف المعين الذي يجدونه عندهم كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ أي لا يشكون فيه ولا تشتبه عليهم كما لا يشتبه عليهم أبناؤهم من أبناء غيرهم، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لعبد الله بن سلام: إن الله أنزل على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ فكيف هذه المعرفة؟ فقال عبد الله: يا عمر لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أشد من معرفتي بابني فقال عمر وكيف ذلك فقال: أشهد أنه رسول الله حق من الله وقد نعته الله في كتابنا ولا أدري ما تصنع النساء، فقبل عمر رأس عبد الله وقال: وفقك الله يا ابن سلام فقد صدقت. وقيل:

الضمير في يعرفونه يعود إلى أمر القبلة والمعنى أن علماء اليهود والنصارى يعرفون أن القبلة التي صرفتك إليها هي قبلة إبراهيم وقبلة الأنبياء قبلك كما يعرفون أبناءهم لا يشكون في ذلك وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ أي من علماء أهل الكتاب لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ يعني صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقيل أمر القبلة وَهُمْ يَعْلَمُونَ يعني أن كتمان الحق معصية.

وقيل يعلمون أن صفة محمد صلّى الله عليه وسلّم مكتوبة عندهم في التوراة والإنجيل وهم مع ذلك يكتمونه الْحَقَّ أي الذي يكتمونه هو الحق مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ أي من الشاكين في أن الذين تقدم ذكرهم، علموا صحة نبوتك وقيل: يرجع إلى أمر القبلة والمعنى أن بعضهم عاند وكتم الحق فلا تشك في ذلك. فإن قلت: النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يمتر ولم يشك فما معنى هذا النهي؟. قلت: هذا الخطاب وإن كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم ولكن المراد غيره والمعنى فلا تشكوا أنتم أيها المؤمنون وقد تقدم نظير هذا. قوله عز وجل: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ

أي ولكل أهل ملة قبلة، والوجهة اسم للمتوجه إليه. وقيل الوجهة الهيئة والحالة في التوجه إلى القبلة، وقيل في قوله: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ

إن المراد به جميع المؤمنين، أي ولكل أهل جهة من الآفاق وجهة من الكعبة يصلون إليها. وقيل: المراد بالوجهة المنهاج والشرع والمعنى ولكل قوم شريعة وطريقة لأن الشرائع مصالح للعباد فلهذا اختلفت الشرائع بحسب اختلاف الزمان والأشخاص وَمُوَلِّيها

أي مستقبلها والمعنى أن لكل أهل ملة وجهة هو مول وجهه إليها، وقيل:

متوليها أي مختارها وقيل: إن هو عائد على اسم الله تعالى، والمعنى إن الله موليها إياه، وقرئ مولّاها أي مصروف إليهااسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ

أي بادروا بالطاعات وقبول الأوامر وفيه حث على المبادرة إلى الأولوية والأفضلية. فعلى هذا تكون الآية دليلا لمذهب الشافعي في أن الصلاة أول الوقت أفضل لقوله: فاستبقوا

<<  <  ج: ص:  >  >>