للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس هم الذين تخلفوا بعذر فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وجاء المعذرون: أي المقصرون. يعني: أنهم قصروا ولم يبالغوا فيما اعتذروا به والمعذر من يرى أن له عذرا ولا عذر له. وقيل: إن الأصل في هذا اللفظ عند النحاة المعتذرون أدغمت التاء في الذال لقرب مخرجيهما والاعتذار في كلام العرب على قسمين يقال اعتذر إذا كذب في عذره ومنه قوله تعالى يعتذرون إليكم فرد الله عليهم بقوله قل لا تعتذروا فدل ذلك على فساد عذرهم وكذبهم فيه ويقال اعتذر إذا أتى بعذر صحيح ومنه قول لبيد:

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر.

يعني فقد جاء بعذر صحيح. وقيل: هو من التعذير الذي هو التقصير. يقال: عذر تعذيرا إذا قصر ولم يبالغ فعلى هذا المعنى، يحتمل أنهم كانوا صادقين في اعتذارهم وأنهم كانوا كاذبين ومن المفسرين من قال: إنهم كانوا صادقين، بدليل أنه تعالى لما ذكرهم قال بعده وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فلما فصل بينهم وميزهم عن الكاذبين دلّ ذلك على أنهم ليسوا كاذبين ويروى عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قيل له هذا الكلام، قال: إن قوما تكلفوا عذرا بباطل فهم الذين عناهم الله تعالى بقوله وجاء المعذرون وتخلف آخرون لا لعذر ولا لشبهة عذر جرأة على الله تعالى فهم المراد بقوله وقعد الذين كذبوا الله ورسوله وهم منافقو الأعراب الذين ما جاءوا وما اعتذروا وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله يعني في ادعائهم الإيمان سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار وإنما قال منهم لأنه سبحانه وتعالى علم أن منهم من سيؤمن ويخلص في إيمانه فاستثناهم الله من المنافقين الذين أصروا على الكفر والنفاق وماتوا عليه.

[سورة التوبة (٩): الآيات ٩١ الى ٩٣]

لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣)

قوله عز وجل لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ لما ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد واعتذروا بأعذار باطلة عقبه بذكر أصحاب الأعذار الحقيقية الصحيحة وعذرهم وأخبر أن فرض الجهاد عنهم ساقط فقال سبحانه وتعالى: ليس على الضعفاء والضعيف هو الصحيح في بدنه العاجز عن الغزو وتحمل مشاق السفر والجهاد مثل الشيوخ والصبيان والنساء ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفا نحيفا ويدل على أن هؤلاء الأصناف هم الضعفاء أن الله سبحانه وتعالى عطف عليهم المرضى فقال سبحانه وتعالى: وَلا عَلَى الْمَرْضى والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فأما المرضى فيدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة وكل من كان موصوفا بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ يعني الفقراء العاجزين عن أهبة الغزو والجهاد، فلا يجدون الزاد والراحلة والسلاح ومؤنة السفر لأن العاجز عن نفقة الغزو معذور حَرَجٌ أي ليس على هؤلاء الأصناف الثلاثة حرج أي إثم في التخلف عن الغزو. وقال الإمام فخر الدين الرازي: ليس في الآية أنه يحرم عليهم الخروج لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلا ووبالا عليهم فإن ذلك طاعة مقبولة ثم إنه تعالى شرط على الضعفاء في جواز التخلف عن الغزو شرطا معينا وقوله سبحانه وتعالى: إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>