للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما نقم الناس من أمية إلا ... أنهم يحلمون إن غضبوا

وهذا ليس مما ينقم وإنما أراد أن الناس لا ينقمون عليهم شيئا فهو كقول النابغة:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب

أي ليس فيهم عيب.

قال الكلبي: كانوا قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في ضنك من العيش فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم استغنوا بالغنائم.

فعلى هذا القول يكون الكلام عاما. وقال عروة: كان الجلاس قتل له مولى فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بديته فاستغنى.

وقال قتادة: كانت لعبد الله بن أبي دية فأخرجها رسول الله صلى الله عليه وسلم له. وقال عكرمة: إن مولى لبني عدي قتل رجلا من الأنصار فقضى له النبي صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا وفيه نزلت وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ يعني: فإن يتوبوا من كفرهم ونفاقهم يك ذلك خيرا لهم في العاجل والآجل وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يعني وإن يعرضوا عن الإيمان والتوبة ويصروا على النفاق والكفر يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا يعني بالخزي والإذلال وَالْآخِرَةِ أي ويعذبهم في الآخرة بالنار وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ يعني وليس لهم أحد يمنعهم من عذاب الله أو ينصرهم في الدنيا والآخرة.

[[سورة التوبة (٩): آية ٧٥]]

وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)

قوله سبحانه وتعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ الآية.

روى البغوي بسند الثعلبي عن أبي أمامة الباهلي قال: «جاء ثعلبة بن حاطب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويحك يا ثعلبة قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه. ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمالك في رسول الله أسوة حسنة والذي نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معي ذهبا وفضة لسارت. ثم أتاه بعد ذلك فقال: يا رسول الله ادع الله أن يرزقني مالا والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالا لأعطين كل ذي حق حقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزق ثعلبة مالا. قال: فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها وهي تنمو كما ينمو الدود فكان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر ويصلي في غنمه سائر الصلوات ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة فصار لا يشهد إلا الجمعة ثم كثرت ونمت حتى تباعد عن المدينة أيضا حتى صار لا يشهد جمعة ولا جماعة فكان إذا كان يوم جمعة خرج فتلقى الناس يسألهم عن الأخبار فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: ما فعل ثعلبة؟ فقالوا: يا رسول الله اتخذ ثعلبة غنما ما يسعها واد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة. فأنزل الله سبحانه وتعالى آية الصدقة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني سليم ورجلا من جهينة وكتب لهما أسنان الصدقة وكيف يأخذان وقال لهما: مرا على ثعلبة بن حاطب ورجل من بني سليم فخذا صدقاتهما، فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إليّ فانطلقا وسمع بها السلمي فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة ثم استقبلهما بها فلما رأياها قالا: ما هذه عليك. قال: خذاها فإن نفسي بذلك طيبة فمرا على الناس وأخذا الصدقات ثم رجعا إلى ثعلبة فقال أروني كتابكما فقرأه ثم قال: ما هذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية اذهبا حتى أرى رأيي. قالا: فأقبلا فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قبل أن يتكلما: يا ويح ثعلبة يا ويح ثعلبة ثم دعا للسلمي بخير فأخبراه بالذي صنع ثعلبة فأنزل الله سبحانه وتعالى فيه: وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ الآية إلى قوله سبحانه وتعالى: وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أقارب ثعلبة

<<  <  ج: ص:  >  >>