دعائك وسؤالك إنزال المائدة، فقد ورد في الآثار: من أطاع الله أطاعه كل شيء أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ المائدة الخوان الذي عليه الطعام ولا يسمى مائدة إن لم يكن عليه طعام إنما يقال خوان أو طبق وأصلها من ماد يميد إذا تحرك كأنها تميد بما عليها من الطعام قالَ يعني عيسى مجيبا للحواريين اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني اتقوا الله في هذا السؤال إن كنتم مؤمنين لأنه سؤال تعنت وقيل: أمرهم بالتقوى ليحصل لهم هذا السؤال ومعنى إن كنتم مؤمنين مصدقين فلا تشكوا في قدرة الله تعالى وقيل معناه اتقوا الله أن تسألوا شيئا لم يسأله أحد من الأمم قبلكم فنهاهم عن اقتراح الآية بعد الإيمان.
قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها يعني: قال الحواريون مجيبين لعيسى عليه السلام إنما نطلب نزول المائدة علينا لأن نأكل منها فإن الجوع قد غلب علينا. وقيل: معناه نريد أن نأكل منها للتبرك بها لا أكل حاجة وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا يعني وتسكن قلوبنا ونستيقن قدرة الله تعالى لأنا، وإن علمنا قدرة الله بالدليل، فإذا شاهدنا نزول المائدة ازداد اليقين وقويت الطمأنينة وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا يعني: ونزداد إيمانا ويقينا بأنك رسول الله وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ يعني لله بالوحدانية ولك بالرسالة والنبوة. وقيل: معناه ونكون لك عليها من الشاهدين عند بني إسرائيل إذا رجعنا إليهم، فلما قالوا ذلك، أمرهم عيسى أن يصوموا ثلاثين يوما وقال لهم: إنكم إذا صمتم ذلك وأفطرتم فلا تسألون الله شيئا إلا أعطاكم، ففعلوا ذلك وسألوا نزول المائدة فعند ذلك قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ قيل: إنه اغتسل ولبس المسح وصلى ركعتين وطأطأ رأسه وبكى ثم دعا فقال اللهم رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا يعني عائدة من الله علينا وحجة وبرهانا والعيد يوم السرور وأصله من عاد يعود إذا رجع والمعنى نتخذ ذلك اليوم الذي تنزل فيه المائدة عيدا لعظمه ونصلي فيه نحن ومن يجيء من بعدنا فنزلت في يوم الأحد فاتخذه النصارى عيدا. وقال ابن عباس: معناه يأكل منها أول الناس كما يأكل آخرهم وَآيَةً مِنْكَ أي وتكون المائدة دلالة على قدرتك دلالة على قدرتك ووحدانيتك وحجة بصدق رسولك وَارْزُقْنا أي ارزقنا ذلك من عندك وقيل: ارزقنا الشكر على هذه النعمة وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ يعني وأنت خير من تفضل ورزق قالَ اللَّهُ عز وجل مجيبا لعيسى إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ يعني المائدة فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ يعني بعد نزول المائدة فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً يعني جنسا من العذاب لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ يعني من عالمي زمانهم فجحدوا وكفروا بعد نزول المائدة فمسخوا خنازير. قال الزجاج: ويجوز أن يكون هذا العذاب معجلا في الدنيا ويجوز أن يكون مؤخرا إلى الآخرة. قال عبد الله بن عمر: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المنافقون ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون. واختلف العلماء في نزول المائدة فقال الحسن ومجاهد:
لم تنزل المائدة لأن الله لما أوعدهم على كفرهم بالعذاب بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا وقالوا: لا نريدها فلم تنزل عليهم فعلى هذا القول يكون معنى قوله تعالى: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ إن سألتم نزولها والصحيح الذي عليه جمهور العلماء والمفسرين أنها نزلت لأن الله تعالى قال: إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ وهذا وعد من الله بإنزالها ولا خلف في خبره ووعده ولما روي عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلت المائدة من السماء خبزا ولحما وأمروا أن لا يخونوا ولا يدخروا لغد فخانوا وادخروا ورفعوا لغد، فمسخوا قردة وخنازير