للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضاف إليها العمل الصالح. وقيل: معناه وأصلحوا باطنهم مع الحق بالمراقبات وظاهرهم مع الخلق بالعبادات والطاعات فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي غفور لقبائحهم في الدنيا بالستر رحيم في الآخرة بالعفو وقيل: غفور بإزالة العذاب رحيم بإعطاء الثواب. قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ نزلت في اليهود وذلك أنهم كفروا بعيسى والإنجيل بعد إيمانهم بموسى وغيره من أنبيائهم ثم ازدادوا كفرا يعني كفرهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن، وقيل نزلت في اليهود والنصارى وذلك أنهم كفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم لما رأوه بعد إيمانهم به قبل مبعثه لما ثبت عندهم من نعته وصفته في كتبهم ثم ازدادوا كفوا يعني ذنوبا في حال كفرهم. وقيل نزلت في جميع الكفار وذلك أنهم أشركوا بالله بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ثم ازدادوا كفرا يعني بإقامتهم على كفرهم حتى هلكوا عليه، وقيل زيادة كفرهم هو قولهم نتربص بمحمد ريب المنون وقيل نزلت في أحد عشر رجلا من أصحاب الحارث بن سويد الذين ارتدوا عن الإسلام فلما رجع الحارث إلى الإسلام أقاموا على كفرهم بمكة وقالوا: نقيم على الكفر ما بدا لنا ومتى أردنا الرجعة ينزل فينا مثل ما نزل في الحارث فلما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة فمن دخل منهم في الإسلام قبلت توبته ونزل فيمن مات منهم على كفره: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ الآية. فإن قلت قد وعد الله قبول التوبة ممن تاب فما يعني قوله لن تقبل توبتهم؟ قلت اختلف المفسرون في معنى قوله: لن تقبل توبتهم فقال الحسن وعطاء وقتادة والسدي: لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت وهو وقت الحشرجة لأن الله تعالى قال: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ فإن الذي يموت على الكفر لا تقبل توبته كأنه قال إن اليهود أو الكفار أو المرتدين الذين فعلوا ما فعلوا ثم ماتوا على ذلك لن تقبل توبتهم وقال ابن عباس: إنهم الذين ارتدوا وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم والكفر في ضمائرهم وقال أبو العالية: هم قوم تابوا من ذنوب عملوها في حال للشرك ولم يتوبوا من الشرك فإن توبتهم في حال الشرك، غير مقبولة. وقال مجاهد: لن تقبل توبتهم إذا ماتوا على الكفر وقال ابن جرير الطبري: معنى لن تقبل توبتهم أي مما ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم لا من كفرهم لأن الله تعالى لما وعد أن يقبل التوبة عن عباده وأنه قابل توبة كل تائب من كل ذنب لقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ علم أن المعنى الذي لا تقبل التوبة منه غير المعنى الذي تقبل التوبة منه فعلى هذا فالذي لا تقبل التوبة منه هو الازدياد على الكفر بعد الكفر لا يقبل الله منه توبة ما أقام على كفره لأن الله تعالى لا يقبل عمل مشرك ما أقام على شركه، فإذا تاب من شركه وكفره وأصلح فإن الله كما وصف نفسه غفور رحيم. وقوله تعالى: وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ يعني هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا وهم الذين ضلوا عن سبيل الحق وأخطئوا منهاجه. قوله عزّ وجلّ:

[سورة آل عمران (٣): الآيات ٩١ الى ٩٢]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٩١) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٩٢)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ قال ابن عباس: لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مكة دخل من كان من أصحاب الحارث بن سويد حبا في الإسلام فنزلت هذه الآية فيمن مات منهم على الكفر، وقيل نزلت فيمن مات كافرا من جميع أصناف اليهود والنصارى وعبدة الأصنام، فالآية عامة في جميع من مات على الكفر فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً أي قدر ما يملأ الأرض من شرقها إلى غربها وَلَوِ افْتَدى بِهِ قيل معناه لو افتدى به والواو زائدة مقحمة وقيل الواو على حالها وفائدتها أنها للعطف والتقدير لو تقرب إلى الله بملء الأرض ذهبا وقد مات على كفره لم ينفعه ذلك وكذا لو افتدى من العذاب بملء الأرض ذهبا لن يقبل منه، وهذا آكد في التغليظ لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>