للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خير الدنيا من المال والولد لعجل قضاء آجالهم ولهلكوا جميعا ويدل على صحة هذا القول قوله سبحانه وتعالى:

فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني فندع الذين لا يخافون عقابنا ولا يؤمنون بالبعث بعد الموت فِي طُغْيانِهِمْ يعني في تمردهم وعتوهم يَعْمَهُونَ يعني يترددون (ق).

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم إني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه فإنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة واجعل ذلك كفارة له يوم القيامة» قوله عز وجل:

[سورة يونس (١٠): الآيات ١٢ الى ١٤]

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)

وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ أي الشدة والجهد والمراد بالإنسان في هذه الآية الكافر دَعانا لِجَنْبِهِ أي على جنبه مضطجعا أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً يريد جميع حالاته لأن الإنسان لا ينفك عن إحدى هذه الحالات الثلاث والمعنى أن المضرور لا يزال داعيا في جميع حالاته إلى أن ينكشف ضره سواء كان مضطجعا أو قائما أو قاعدا وهذا القول فيه بعد لأن ذكر الدعاء إلى هذه الأحوال أقرب من ذكر الضر فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ يعني فلما أزلنا عنه ما نزل به من الضر ودفعنا عنه مَرَّ يعني على طريقته الأولى قبل مس الضر كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا فيه حذف تقديره كأنه لم يدعنا وإنما أسقط الضمير على سبيل التخفيف إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ والمعنى أنه استمر على حالته الأولى قبل أن يمسه الضر ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء والضيق والفقر كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني مثل ما زين لهذا الكافر هذا العمل القبيح كذلك زين للمسرفين والمزين هو الله سبحانه وتعالى لأنه مالك الملك والخلق كلهم عبيدة يتصرف فيهم كيف يشاء وقيل المزين هو الشيطان وذلك بأقدار الله إياه على ذلك والمسرف هو المجاوز الحد في كل شيء وإنما سمي الكافر مسرفا لأنه أتلف نفسه وضيعها في عبادة الأصنام وأتلف ماله وضيعه في البحائر والسوائب وما كانوا ينفقونه على الأصنام وسدنتها يعني خدامها. وقال ابن جريج: في قوله كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون يعني من الدعاء عند المصيبة وترك الشكر عند الرخاء.

وقيل: كما زين لكم أعمالكم كذلك زين للمسرفين الذين كانوا من قبلكم أعمالهم. وبيان مقصود الآية أن الإنسان قليل الصبر عند نزول البلاء قليل الشكر عند حصول النعماء والرخاء فإذا مسه الضر أقبل على الدعاء والتضرع في جميع حالاته مجتهدا في الدعاء طالبا من الله إزالة ما نزل به من المحنة والبلاء فإذا كشف الله ذلك عنه أعرض عن الشكر ورجع إلى ما كان عليه أولا وهذه حالة الغافل الضعيف اليقين فأما المؤمن العاقل فإنه بخلاف ذلك فيكون صابرا عند البلاء شاكر الله عند الرخاء والنعماء كثير التضرع والدعاء في جميع أوقات الراحة والرفاهية وهاهنا مقام أعلى من هذا وهو أن المؤمن إذا ابتلي ببلية أو نزل به مكروه يكون مع صبره على ذلك راضيا بقضاء الله غير معرض بالقلب عنه بل يكون شاكرا لله عز وجل في جميع أحواله وليعلم العبد المؤمن أن الله تبارك وتعالى مالك الملك على الإطلاق حكيم في جميع أفعاله وله التصرف في خلقه بما يشاء ويعلم أنه إن أبقاه على تلك المحنة فهو عدل وإن أزالها عنه فهو فضل.

قوله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني أهلكنا الأمم الماضية من قبلكم يخوف بذلك كفار مكة لَمَّا ظَلَمُوا يعني لما أشركوا وَجاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يعني فكذبوهم وَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا

<<  <  ج: ص:  >  >>