أن يكون لعبدة العجل من السامي وأتباعه أو لهارون من بني إسرائيل فعلى الاحتمال الأول في أنه خطاب لعبدة العجل يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث عبدتم العجل وتركتم عبادة الله وعلى الاحتمال الثاني وهو أن يكون الخطاب لهارون ومن معه من المؤمنين يكون المعنى بئسما خلفتموني حيث لم تمنعوهم من عبادة غير الله تعالى وقد رأيتم مني الأمر بتوحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له ونفي الشركاء عنه وحمل بني إسرائيل على ذلك ومن حق الخلفاء أن يسروا لسيرة مستخلفهم وقوله أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ معنى العجلة التقدم بالشيء قبل وقته ولذلك صارت مذمومة والسرعة غير مذمومة لأن معناها عمل الشيء في أول وقته ولقائل أن يقول لو كانت العجلة مذمومة لم يقل موسى عليه الصلاة والسلام «عجلت إليك رب لترضى» ومعنى الآية أعجلتم ميعاد ربكم فلم تصبروا له. وقال الحسن: أعجلتم وعد ربكم الذي وعدكم من الأربعين وذلك أنهم قدروا أنه لم يأت على رأس الثلاثين فقد مات وقيل معناه أعجلتم سخط ربكم بعبادة العجل. وقال الكلبي: معناه أعجلتم بعبادة العجل قبل أن يأتيكم أمر ربكم ولما ذكر الله تعالى أن موسى عليه الصلاة والسلام رجع إلى قومه غضبان أسفا ذكر بعده ما أوجبه الغضب فقال تعالى: وَأَلْقَى الْأَلْواحَ يعني التي فيها التوراة وكان حاملا لها فألقاها من شدة الغضب قالت الرواة وأصحاب الأخبار: كانت التوراة سبعة أسباع فلما ألقى موسى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباع وبقي سبع واحد رفع منها ما كان من أخبار الغيب وبقي ما فيه المواعظ والأحكام والحلال والحرام، وروى أن الله تعالى أخبر موسى عليه الصلاة والسلام بفتنة قومه وعرف موسى عليه الصلاة والسلام أن ما أخبره الله سبحانه وتعالى به حق وصدق ومع ذلك لم يلق التوراة من يده فلما رجع إلى قومه وعاين ذلك وشاهده ألقى التوراة وهذا كما قيل ليس الخبر كالمعاينة وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قيل إنه أخذ بشعر رأسه ولحيته من شدة غضبه وقال ابن الأنباري لما رجع موسى عليه الصلاة والسلام ووجد قومه مقيمين على المعصية أكبر ذلك واستعظمه فأقبل على أخيه هارون يلومه ومد يده إلى رأسه لشدة موجدته عليه إذا لم يلحق به فيعرفه خبر بني إسرائيل فيرجع ويتلافاهم فأعلمه هارون عليه السلام
أنه إنما أقام بين أظهرهم خوفا على نفسه من القتل وهو قوله تعالى: قالَ يعني هارون ابْنَ أُمَّ إذ قال هارون لموسى ابن أم وإن كانا لأب وأم ليرققه ويستعطفه عليه إِنَّ الْقَوْمَ يعني الذين عبدوا العجل اسْتَضْعَفُونِي أي استذلوني وقهروني وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي أي وقاربوا أهمّوا أن يقتلوني فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ أصل الشماتة الفرح ببلية من تعاديه ويعاديك يقال شمت فلان بفلان إذا سر بمكروه نزل به والمعنى لا تسر الأعداء بما تنال مني من مكروه وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني الذين عبدوا العجل.
قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي يعني أن موسى عليه الصلاة والسلام لما تبين له عذر أخيه هارون قال رب اغفر لي ما صنعت إلى أخي هارون يريد ما أظهر من الموجدة عليه في وقت الغضب وَلِأَخِي يعني واغفر لأخي هارون إن كان وقع منه تقصير في الإنكار على عبدة العجل وَأَدْخِلْنا يعني جميعا فِي رَحْمَتِكَ يعني في سعة رحمتك وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وهذا فيه دليل على الترغيب في الدعاء لأن من هو أرحم الراحمين تؤمل منه الرحمة وفيه تقوية لطمع الداعي في نجاح طلبته إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ يعني إلها عبدوه من دون الله سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا يعني سينالهم عقوبة من ربهم وهوان بسبب كفرهم وعبادتهم العجل وذلك في عاجل الحياة الدنيا ثم للمفسرين في هذه الآية قولان: