عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦)
قوله عز وجل: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ أي انشقت وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ أي تساقطت وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ أي فجر بعضها في بعض واختلط العذب بالملح، فصارت بحرا واحدا، وقيل معنى فجرت فاضت.
وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ أي بحثرت، وقلب ترابها وبعث من فيها منه الموتى أحياء. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يعني علمت في ذلك اليوم ما قدمت من عمل صالح، أو سيئ، وأخرت بعدها من حسنة أو سيئة، وقيل ما قدمت من الصّدقات وأخرت من الزّكوات، وهذه أحوال يوم القيامة. قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ أي ما خدعك، وسول لك الباطل حتى صنعت ما صنعت، وضيعت ما أوجب عليك، والمعنى ماذا أمنك من عقابه، قيل نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل في أبي الشّريق، واسمه أسيد بن كلدة، وقيل كلدة بن خلف، وكان كافرا ضرب النبي صلّى الله عليه وسلّم فلم يعاقبه الله وأنزل الله هذه الآية، وقيل الآية عامة في كل كافر وعاص، يقول ما الذي غرك، قيل غره حمقه، وجهله وقيل تسويل الشّيطان له، وقيل غره عفو الله عنه حيث لم يعاجله بالعقوبة في أول مرة بربك الكريم، أي المتجاوز عنك، فهو بكرمه لك لم يعاجلك بعقوبته بل بسط لك المدة لرجاء التّوبة. قال ابن مسعود «ما منكم من أحد إلا سيخلو الله عز وجل به يوم القيامة. فيقول: يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم! ماذا عملت؟ فيما علمت يا ابن آدم؟ ماذا أجبت المرسلين»، وقيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله يوم القيامة فيقول لك يا ابن آدم ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول. قال: أقول غرني ستورك المرخاة، وقال يحيى بن معاذ: لو أقامني بين يديه، وقال ما غرك بي أقول غرني بربك بي سالفا وآنفا، وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت غرني كرم الكريم، وقال بعض أهل الإشارة. إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه، وصفاته كأنه لقنه حجته في الإجابة حتى يقول غرني كرم الكريم.