وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا يعني ويقول الذين آمنوا في وقت إظهار الله تعالى نفاق المنافقين أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ وذلك أن المؤمنين كانوا يتعجبون من حال المنافقين عند ما أظهروا الميل إلى موالاة اليهود والنصارى ويقولون إن المنافقين حلفوا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعنا ومن أنصارنا والآن كيف صاروا موالين لأعدائنا من اليهود محبين للاختلاط بهم فبان كذب المنافقين في أيمانهم الباطلة حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ أي بطل كل خير عملوه لأجل ما أظهروا من النفاق وموالاة اليهود فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ يعني أنهم خسروا في الدنيا بافتضاحهم وخسروا في الآخرة بإحباط ثواب أعمالهم وحصلوا بالعذاب الدائم المقيم.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ يعني من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه وهو دين الإسلام فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر بعد الإيمان فيختار: إما اليهودية أو النصرانية أو غير ذلك من أصناف الكفر فلن يضر الله شيئا وإنما ضرّ نفسه برجوعه عن الدين الصحيح الذي هو دين الإسلام قال الحسن: علم الله تعالى أن قوما سيرجعون عن الإسلام بعد موت نبيهم صلى الله عليه وسلم فأخبر أنه سيأتي بقوم يحبهم ويحبونه. وذكر صاحب الكشاف أن إحدى عشرة فرقة من العرب ارتدت ثلاث في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم: بنو مدلج ورئيسهم ذو الحمار وهو الأسود العنسي وكان كاهنا فتنبأ باليمن واستولى على بلاده وأخرج منها عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل وإلى سادات اليمن فأهلكه الله تعالى على يد فيروز الديلمي في بيته فقتله فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين بقتله ليلة قتل فسرّ المسلمون بذلك وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد وأتى خبر قتله في آخر ربيع الأول. وبنو حنيفة وهم قوم مسيلمة الكذاب تنبأ وكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله.
«أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك» فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب. أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين» وستأتي قصة قتله فيما بعد وبنو أسد وهم قوم طليحة بن خويلد تنبأ فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقاتله فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وارتد سبع فرق في خلافة أبي بكر الصديق وهم فزارة قوم عيينة بن حصن الفزاري وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد ياليل وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة اليربوعي وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة التي زوجت نفسها من مسيلمة الكذاب. وكندة قوم الأشعث بن قيس الكندي وبنو بكر بن وائل قوم الحطم بن زيد فكفى الله أمرهم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفرقة واحدة ارتدت في خلافة عمر بن الخطاب وهم غسان قوم جبلة بن الأيهم واختلف العلماء في المعنى بقوله تعالى:
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فقال علي بن أبي طالب والحسن وقتادة هم أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض ارتد عامة العرب «١» كما تقدم تفصيله إلا أهل المدينة وأهل مكة وأهل البحرين من بني عبد القيس فإنهم ثبتوا على الإسلام ونصر الله بهم الدين ولما ارتد من ارتد من العرب ومنعوا الزكاة همّ أبو بكر بقتالهم وكره ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال
(١) قوله «ارتد عامة العرب» إلخ الذين تقدم ارتدادهم في زمن أبي بكر سبع فرق لا غير. اهـ.