يشكرون هذه النعم التي أنعمت بها عليهم، وقيل: معناه لعلهم يوحدونك ويعظمونك وفيه دليل على أن تحصيل منافع الدنيا، إنما هو ليستعان بها على أداء العبادات وإقامة الطاعات.
مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣)
رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ يعني إنك تعلم السر كما تعلم العلن عما لا تفاوت فيه والمعنى أنك تعلم أحوالنا، وما يصلحنا وما يفسدنا وأنت أرحم بنا منا فلا حاجة بنا إلى الدعاء، والطلب إنما ندعوك إظهارا للعبودية لك، وتخشعا لعظمتك وتذللا لعزتك وافتقارا إلى ما عندك، وقيل: معناه تعلم ما نخفي من الوجد بفرقة إسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع وما نعلن يعني من البكاء، وقيل: ما نخفي يعني من الحزن المتمكن في القلب، وما نعلن يعني ما جرى بينه وبين هاجر عند الوداع حين قالت لإبراهيم عليه السلام إلى من تكلنا قال: إلى الله قالت إذا لا يضيعنا وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ فقيل: هذا من تتمة قول إبراهيم يعني وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب من شيء في كل مكان وقال الأكثرون: إنه من قول الله تعالى تصديقا لإبراهيم فيما قال: فهو كقوله وكذلك يفعلون الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ قال ابن عباس: ولد إسماعيل لإبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة وولد له إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة وقال سعيد بن جبير: بشر إبراهيم بإسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة، ومعنى قوله:
على الكبر مع الكبر لأن هبة الولد في هذا السن من أعظم المنن لأنه سن اليأس من الولد فلهذا شكر الله على هذه المنة. فقال: الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق. فإن قلت: كيف جمع بين إسماعيل وإسحاق في الدعاء في وقت واحد وإنما بشر بإسحاق بعد إسماعيل بزمان طويل؟ قلت: يحتمل أن إبراهيم عليه السلام إنما أتى بهذا الدعاء عند ما بشر بإسحاق وذلك أنه لما عظمت المنة على قلبه بهبة ولدين عظيمين عند كبره قال عند ذلك الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق ولا يرد على هذا ما ورد في الحديث أنه دعا بما تقدم عند مفارقة إسماعيل وأمه لأن الذي صح في الحديث أنه دعا بقوله ربنا إني أسكنت ذريتي إلى قوله لعلهم يشكرون إذا ثبت هذا فيكون قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق في وقت آخر والله أعلم بحقيقة الحال إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ كان إبراهيم عليه السلام قد دعا ربه وسأله الولد بقوله «رب هب لي من الصالحين» فلما استجاب الله دعاءه ووهبه ما سأل شكر الله على ما أكرمه به من إجابة دعائه فعند ذلك قال الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء وهو من قولك سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ يعني ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها في أوقاتها وَمِنْ ذُرِّيَّتِي أي واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة وإنما أدخل لفظة من التي هي للتبعيض في قوله ومن ذريتي لأنه أعلم بإعلام الله إياه أنه قد يوجد من ذريته جمع من الكفار لا يقيمون الصلاة فلهذا قال ومن ذريتي وأراد بهم المؤمنين من ذريته رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يتقبل دعاءه فاستجاب الله لإبراهيم وقيل دعاءه بفضله ومنه وكرمه رَبَّنَا اغْفِرْ لِي فان قلت طلب المغفرة من الله إنما يكون لسابق ذنب قد سلف حتى يطلب المغفرة من ذلك الذنب وقد ثبت عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الذنوب فما وجه طلب المغفرة