وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا يعني: والذين جحدوا وحدانية الله ونقضوا عهوده ومواثيقه وكذبوا بما جاءت به الرسل من عنده أُولئِكَ يعني من هذه صفته أَصْحابُ الْجَحِيمِ هذه الآية نص قاطع في أن الخلود في النار ليس إلا للكفار لأن المصاحبة تقتضي الملازمة كما يقال: فلان صاحب فلان يعني الملازم له.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ يعني: اذكروا نعمة الله عليكم بالدفع عنكم مع سائر نعمه التي أنعم بها عليكم ثم وصف تلك النعمة التي ذكرهم بها وأمرهم بالشكر عليها فقال تعالى: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ يعني بالقتل والبطش بكم فصرفهم عنكم وحال بينكم وبين ما أرادوه بكم.
اختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية وفي صفة هذه النعمة التي أمر الله تعالى أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم بذكرها والشكر عليها، فقال قتادة: نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة حين أراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه إذا اشتغلوا بالصلاة فأطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك وأنزل صلاة الخوف.
وقال الحسن: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم محاصرا غطفان بنخل فقال رجل من المشركين: هل لكم أن أقتل محمدا؟
قالوا: وكيف تقتله؟ قال: أفتك به. قالوا: وددنا أنك فعلت ذلك. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم متقلد سيفه فقال: يا محمد أرني سيفك فأعطاه إياه فجعل الرجل يهز السيف وينظر إليه مرة وإلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة ثم قال: من يمنعك مني يا محمد؟ قال: الله. فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف ومضى فأنزل الله هذه الآية. وقال مجاهد وعكرمة والكلبي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي وهو أحد النقباء ليلة العقبة في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار إلى بني عامر بن صعصعة فخرجوا فلقوا عامر بن الطفيل على بئر معونة وهي من مياه بني عامر فاقتتلوا فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم: أحدهم عمرو بن أمية الضمري فلم يرعهم إلا الطير تحوم في السماء يسقط من بين مناقيرها علق الدم فقال أحد النفر الثلاثة: قتل أصحابنا. ثم تولى يشتد حتى لقي رجلا من المشركين فاختلفا ضربتين فلما خالطته الضربة رفع رأسه إلى السماء وفتح عينيه فقال:
الله أكبر الجنة ورب العالمين ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة فانتسبا إلى بني عامر فقتلاهما وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية فخرج النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على كعب بن الأشرف وبني النضير يستعينهم في عقلهما وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات. وقيل أراد أن يستقرض منهم دية رجلين فقالوا نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي سألته فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخلا بعض اليهود ببعض وقالوا: إنكم لم تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمن يظهر منكم على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيربحنا منه فقال عمرو بن جحاش: أنا. فعمد إلى رحى عظيمة ليطرحها على النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك الله يده ونزل جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم راجعا إلى المدينة. قال: وخرج معه علي بن أبي طالب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي لا تبرح مكانك حتى يخرج إليك أصحابي فمن خرج إليك منهم وسألك عني فقل توجه إلى المدينة ففعل ذلك حتى تناهوا إليه ثم اتبعوه إلى المدينة وأنزل الله عز وجل هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ يعني اليهود أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ يقال بسط يده إليه إذا بطش به وهو إذا مدها إلى المبطوش به ليقتله فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ يعني أنه تعالى منعهم مما أرادوه بكم