أن يأكله بطريق اللهو كالقمار وأجرة المغني وثمن الخمر والملاهي ونحو ذلك. الثالث: أن يأكله بطريق الرشوة في الحكم وشهادة الزور. الرابع: الخيانة وذلك في الوديعة والأمانة ونحو ذلك. وإنما عبر عن أخذ المال بالأكل لأنه المقصود الأعظم، ولهذا وقع في التعارف فلان يأكل أموال الناس بمعنى يأخذها بغير حلها وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ أي وتلقوا أمور تلك الأموال التي فيها الحكومة إلى الحكام. قال ابن عباس هذا في الرجل يكون عليه المال وليس عليه بينة فيجحد ويخاصم إلى الحكام وهو يعلم أن الحق عليه وهو آثم بمنعه وقيل: هو أن يقيم شهادة الزور عند الحاكم وهو يعلم ذلك. وقيل معناه ولا تأكلوا المال بالباطل وتنسبوه إلى الحكام، وقيل: لا تدل بمال أخيك إلى الحاكم وأنت تعلم أنك ظالم فإن قضاءه لا يحل حراما وكان شريح القاضي يقول إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالما ولكن لا يسعني إلّا أن أقضي بما يحضرني من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراما (ق) عن أم سلمة «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال: إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض» وفي رواية «ألحن بحجته من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها» قوله سمع جلبة خصم يعني أصوات خصم قوله ألحن بحجته، يقال: فلان ألحن بحجته من فلان أي أقوم بها منه وأقدر عليها، من اللحن بفتح الحاء وهو الفطنة لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً أي طائفة وقطعة مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ يعني بالظلم وقال ابن عباس باليمين الكاذبة وقيل بشهادة الزور وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ يعني أنكم على الباطل. قوله عز وجل:
يَسْئَلُونَكَ أي يا محمد عَنِ الْأَهِلَّةِ نزلت في معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريين قالا يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلئ نورا، ثم لا يزال ينقص حتى يعود دقيقا كما بدا ولا يكون على حال واحدة فأنزل الله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ وكان هذا سؤالا منهم على وجه الفائدة عن وجه الحكمة في تبيين حال الهلال في الزيادة والنقصان والأهلة جمع هلال وهو أول حال القمر حين يراه الناس أول ليلة من الشهر قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ جمع ميقات، والمعنى أن فعلنا ذلك لمصالح دينية ودنيوية ليعلم الناس أوقات حجهم وصومهم وإفطارهم ومحل ديونهم وأجائرهم وعدد النساء وأوقات الحيض وغير ذلك من الأحكام المتعلقة بالأهلة ولهذا خالف بينه وبين الشمس التي هي دائمة على حالة واحدة وَالْحَجِّ أي وللحج، وإنما أفرد الحج بالذكر وإن كان داخلا في جملة العبادات لفائدة عظيمة وهي أن العرب في الجاهلية كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور فأبطل الله ذلك من فعلهم وأخبر أن الحج مقصور على الأشهر التي عينها لفرض الحج بالأهلة، وأنه لا يجوز نقل الحج عن تلك الأشهر التي عينها الله تعالى له كما كانت العرب تفعل بالنسيء وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها (ق) عن البراء قال: نزلت هذه الآية فينا فكانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قبل أبواب البيوت فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه فكأنه عير بذلك فنزلت: وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها، وفي رواية كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيوت من ظهورها فأنزل الله هذه الآية وقيل كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم لم يدخل حائطا ولا دارا ولا فسطاطا من بابه، فإن كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته منه يدخل ويخرج أو يتخذ سلما يصعد منه، وإن كان من أهل الوبر دخل وخرج من خلف الخباء ولا يدخل ولا يخرج من الباب ويرون ذلك برا، وكانت الحمس وهم قريش وكنانة وخزاعة ومن دان بدينهم، سموا حمسا لتشددهم في دينهم والحماسة الشدة كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيتا البتة ولم يستظلوا بظل، ثم إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دخل حائطا فدخل