للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلقوا الصلح ولم يكفوا عن قتالكم فَخُذُوهُمْ يعني أسرى وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ يعني حيث أدركتموهم وَأُولئِكُمْ يعني أهل هذه الصفة جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً يعني حجة ظاهرة بالقتل والقتال وقيل الحجة الواضحة هي ظهور عداوتهم وانكشاف حالهم بالكفر والعداوة. قوله تعالى:

[[سورة النساء (٤): آية ٩٢]]

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢)

وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً الآية نزلت في عياش بن أبي ربيعة المخزومي وذلك أنه أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو بمكة قبل الهجرة فأسلم ثم خاف أن يظهر إسلامه لأهله فخرج هاربا إلى المدينة وتحصن في أطم من آطامها والأطم الحصن فجزعت أمه لذلك جزعا شديدا، وقالت لابنها الحارث وأبي جهل ابني هشام وهما أخوا عياش بن أبي ربيعة لأمه والله لا يظلني سقف ولا أذوق طعاما ولا شرابا حتى تأتيان به فخرجا في طلبه وخرج معهما الحارث بن زيد بن أبي أنيسة حتى أتوا المدينة فأتوا عياشا وهو في الأطم فقالوا: أنزل فإن أمك لم يؤوها سقف بعدك وقد حلفت لا تأكل ولا تشرب حتى ترجع إليها ولك عهد تالله علينا أن لا نكرهك على شيء يحول بينك وبين دينك. فلما ذكروا له جزع أمه وأوثقوه بنسعة وجلده كل واحد منهم مائة جلدة ثم قدموا به على أمه فلما أتاها قالت لا أحلك من وثاقك حتى تكفر بالذي آمنت به ثم تركوه موثقا في الشمس ما شاء الله فأعطاهم الذي أرادوا فأتاه الحارث بن زيد فقال: يا عياش أهذا الذي كنت عليه لئن كان هدى لقد تركت الهدى ولئن كان ضلالة لقد كنت عليها فغضب عياش من مقالته وقال والله لألقاك خاليا إلّا قتلتك ثم إن عياشا أسلم بعد ذلك وهاجر وأسلم الحارث بن زيد من بعده وهاجر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وليس عياش حاضرا يومئذ ولم يشعر بإسلامه فبينا عياش يسير بظهر قباء إذ لقي الحارث فقتله فقال لهم ناس: ويحك يا عياش أي شيء صنعت إنه قد أسلم فرجع عياش إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال يا رسول الله إنه كان من أمري وأمر الحارث ما قد علمت وإني لم أشعر بإسلامه حتى قتلته فنزل وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومعنى الآية وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة وما كان له سبب جواز قتله وقيل معناه ما كان له ذلك فيما أتاه من ربه وعهد إليه ففيه تحريم قتل المؤمن من كل وجه وقوله تعالى إلّا خطأ استثناء منقطع معناه لكن إن وقع خطأ فتحرير رقبة. وقيل معناه ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البتة إلّا أن يخطئ المؤمن فكفارة خطئه ما ذكر من بعد والخطأ فعل الشيء من غير قصد وتعمد وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ يعني فعليه إعتاق رقبة مؤمنة كفارة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ أي وعليه دية كاملة مسلمة إلى أهل القتيل الذين يرثونه إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا يعني إلّا أن يتصدق أهل القتيل على القاتل بالدية ويعفو عنه فَإِنْ كانَ يعني المقتول مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أراد أنه إذا كان رجل مسلم في دار الحرب وهو منفرد مع قوم كفار فقتله من لم يعلم بإسلامه فلا دية عليه الكفارة وقيل المراد منه إنه إذا كان المقتول مسلما في دار الإسلام وهو من نسب قوم كفار وأهله الذين يرثونه في دار الحرب وهم حرب للمسلمين ففيه الكفارة ولا دية لأهله وكان الحارث بن زيد من قوم كفار حرب للمسلمين فكان فيه الكفارة تحرير رقبة مؤمنة دون الدية لأنه لم يكن بين قومه وبين المسلمين عهد وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أي عهد فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ يعني أنه إذا كان المقتول كافرا معاهدا أو ذميا فتجب فيه الدية والكفارة فَمَنْ لَمْ يَجِدْ رقبة فصيام شهرين متتابعين أي فعليه صيام شهرين متتابعين بدلا عن الرقبة تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>