يعني جعل الله ذلك توبة لقاتل الخطأ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً يعني بمن قتل خطأ حَكِيماً يعني فيما حكم به عليه من الدية والكفارة.
(فصل في أحكام تتعلق بالآية وفيه مسائل) المسألة الأولى: في بيان صفة القتل: قال الشافعي: القتل على ثلاثة أقسام: عمد وشبه عمد وخطأ، أما العمد المحض فهو أن يقصد قتل إنسان بما يقتل به غالبا فقتل به ففيه القصاص عند وجود التكافؤ أو دية حالة مغلظة في مال القاتل. وأما شبه العمد فهو أن يقصد ضرب إنسان بما لا يقتل بمثله غالبا مثل أن ضربه بعصا خفيفة أو رماه بحجر صغير فمات فلا قصاص عليه وتجب عليه دية مغلظة على عائلته مؤجلة إلى ثلاث سنين.
وأما الخطأ المحض فهو أن لا يقصد قتله بل قصد شيئا آخر فأصابه فمات منه فلا قصاص عليه وتجب فيه دية مخففة على عاقلته مؤجلا إلى ثلاث سنين ومن صور قتل الخطأ أن يقصد رمي مشرك أو كافر فيصيب مسلما أو يقصد قتل إنسان يظنه مشركا بأن كان عليه لباس المشركين أو شعارهم فالصورة الأولى خطأ في الفعل والثانية خطأ في القصد.
المسألة الثانية: في حكم الديات: فدية الحر المسلم مائة من الإبل فإذا عدمت الإبل فتجب قيمتها من الدراهم أو الدنانير في قول وفي قول بدل مقدر وهو ألف دينار أو اثنا ألف درهم ويدل على ذلك ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص. قال كانت الدية على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم قال وكانت دية أهل الكتاب يومئذ على النصف من دية المسلم فكانت كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال إن الإبل قد غلت فقرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال: وترك دية أهل الكتاب فلم يرفعها فيما رفع من الدية أخرجه أبو داود فذهب قوم إلى أن الواجب في الدية مائة من الإبل وألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم وهو قول عروة بن الزبير والحسن البصري وبه قال والشافعي وذهب قوم إلى أنها من الإبل أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي ودية المرأة نصف دية الذكر الحر ودية أهل الذمة والعهد ثلث دية المسلم إن كان كتابيا وإن كان مجوسيا فخمس الثلث ثمانمائة درهم وهو قول سعيد بن المسيب.
وإليه ذهب الشافعي وذهب قوم إلى أن دية الذمي والمعاهد مثل دية المسلم روي ذلك عن ابن مسعود وهو قول سفيان الثوري وأصحاب الرأي وقال قوم دية الذمي نصف دية المسلم وهو قول عمر بن عبد العزيز وبه قال مالك وأحمد والأصل في ذلك ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: دية المعاهد نصف دية الحر أخرجه أبو داود وعنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عقل أهل الذمة نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى أخرجه النسائي فمن ذهب إلى أن دية أهل الذمة ثلث دية المسلم أجاب عن هذا الحديث بأن الأصل في ذلك كان النصف ثم رفعت زمن عمر دية المسلم، ولم ترفع دية الذمي فبقيت على أصلها وهو قدر الثلث من دية المسلمين والدية في قتل العمد وشبه العمد مغلظة فتجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون في بطونها أولادها. وهذا قول عمر وزيد بن ثابت وبه قال عطاء وإليه ذهب الشافعي لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا أخذوا الدية وهي وثلاثون حقه ثلاثون جذعة وأربعون خلفة وما صولحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد العقل. أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وعن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم قال خطب النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم الفتح فقال:«ألا وإن قتيل العمد بالسوط والعصا والحجر مائة من الإبل أربعون ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة» وفي رواية أخرى ألا إن كل قتيل خطأ العمد أو شبه العمد قتيل السوط والعصا مائة من الإبل فيها أربعون في بطونها أولادها أخرجه