[سورة المائدة (٥): الآيات ٦٥ الى ٦٧]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٦٥) وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (٦٦) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٦٧)
قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقوه فيما جاء به وَاتَّقَوْا يعني اليهودية والنصرانية لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ يعني: لمحونا عنهم ذنوبهم التي عملوها قبل الإسلام لأن الإسلام يجب ما قبله وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ يعني مع المسلمين يوم القيامة وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ يعني أقاموا أحكامهما بحدودهما وعملوا بما فيهما من الوفاء بالعهود والتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم لأن نعته وصفته موجودان فيهما.
فإن قلت: كيف يأمر أهل الكتاب بإقامة التوراة والإنجيل مع أنهما نسخا وبدلا. قلت: إنما أمرهم الله تعالى بإقامة ما فيهما من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم واتباع شريعته وهذا غير منسوخ لأنه موافق لما في القرآن.
وقوله تعالى: وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ فيه قولان أحدهما أن المراد به كتب أنبيائهم القديمة مثل كتاب شعياء وكتاب أرمياء وزبور داود وفي هذا الكتب أيضا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم فيكون المراد بإقامة هذه الكتب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والقول الثاني: أن المراد بما أنزل من ربهم هو القرآن لأنهم مأمورون بالإيمان به فكأنه نزل إليهم من ربهم لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ يعني أن اليهود لما أصروا على تكذيب محمد وثبتوا على كفرهم ويهوديتهم أصابهم الله بالقحط والشدة حتى بلغوا إلى حيث قالوا يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ فأخبر الله أنهم لو تركوا اليهودية والكفر الذي هم عليه لانقلبت تلك الشدة بالخصب والسعة وهو قوله تعالى: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ قال ابن عباس: معناه لأنزلت عليهم المطر وأخرجت لهم النبات والمراد من ذلك توسعة الرزق عليهم مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ أي عادلة. والاقتصاد: الاعتدال في العمل من غير غلو ولا تقصير. أصله من القصد، لأن من عرف مقصودا طلبه من غير اعوجاج عنه. والمراد بالأمة المقتصدة: من آمن من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام وأصحابه والنجاشي وأصحابه الذين أسلموا وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يعني من أهل الكتاب الذين أقاموا على كفرهم مثل كعب بن الأشرف ورؤساء اليهود ساءَ ما يَعْمَلُونَ يعني بئس ما يعملون من إقامتهم على كفرهم قال ابن عباس: عملوا بالقبيح مع التكذيب بالنبي صلى الله عليه وسلم.
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية روي عن الحسن أن الله تعالى لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاق ذرعا وعرف أن من الناس من يكذبه، فأنزل هذه الآية. وقيل: نزلت في عيب اليهود وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دعاهم إلى الإسلام فقالوا: أسلمنا قبلك وجعلوا يستهزئون به ويقولون: تريد أن نتخذك حنانا كما اتخذت النصارى عيسى حنانا، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منهم، سكت، فأنزل الله هذه الآية وأمره بأن يقول لهم:
يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ الآية.
وقيل: نزلت هذه الآية في أمر الجهاد وذلك أن المنافقين كرهوه فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك في بعض الأحايين عن الحث على الجهاد لما علم من كراهية بعضهم له فأنزل الله هذه الآية.
وقيل: نزلت في قصة الرجم والقصاص وما سأل عنه اليهود ومعنى الآية يا أيها الرسول بلغ جميع ما أنزل إليك من ربك مجاهرا به ولا تراقبن أحدا ولا نترك شيئا مما أنزل إليك من ربك وإن أخفيت شيئا من ذلك في وقت من الأوقات فلما بلغت رسالته وهو قوله تعالى وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وقرئ رسالاته قال