للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرازي عن أبي الحسن الأشعري قولا: أن اليد صفة قائمة بذات الله وهي صفة سوى القدرة من شأنها التكوين على سبيل الاصطفاء قال والذي يدل عليه أنه تعالى جعل وقوع خلق آدم بيديه على سبيل الكرامة لآدم واصطفائه له فلو كانت اليد عبارة عن القدرة امتنع كون آدم مصطفى بذلك لأن ذلك حاصل في جميع المخلوقات فلا بد من إثبات صفة أخرى وراء القدرة يقع بها الخلق والتكوين على سبيل الاصطفاء هذا آخر كلامه. وأجيب عن قولهم:

إن التثنية بحسب الجنس ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع كثيرة بأن الاسم إذا ثني لا يؤدي في كلام العرب إلا عن اثنين بأعيانهما دون الجمع ولا يؤدي عن الجنس أيضا قالوا وخطأ في كلام العرب أن يقال ما أكثر الدرهمين في أيدي الناس بمعنى ما أكثر الدراهم في أيديهم لأن الدرهم إذا ثني لا يؤدي في كلام العرب إلا عن اثنين بأعيانهما ولكن الواحد يؤدي عن جنسه، كما تقول العرب: ما أكثر الدرهم في أيدي الناس. بمعنى ما أكثر الدراهم في أيديهم، لأن الواحد يؤدي عن الجمع فثبت بهذا البيان قول من قال: إن اليد صفة لله تعالى تليق بجلاله وإنها ليست بجارحة، كما نقول: المجسمة تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ يعني أنه تعالى يرزق كما يريد ويختار فيوسع على من يشاء ويقتّر على من يشاء لا اعتراض عليه في ملكه ولا فيما يفعله (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تبارك وتعالى لما أنفق عليك وقال يد الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم ينقص ما بيده وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يرفع ويخفض وهذا الحديث أيضا أحد أحاديث الصفات فيجب الإيمان به وإمراره كما جاء من غير تشبيه ولا تكييف.

وقوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً يعني كلما نزلت عليك آية من القرآن كفروا بها فازدادوا شدة في كفرهم وطغيانا مع طغيانهم والمراد بالكثير علماء اليهود وقيل إقامتهم على كفرهم زيادة منهم فيه وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ يعني: ألقينا العداوة والبغضاء بين اليهود والنصارى. وقيل: ألقى ذلك بين طوائف اليهود، فجعلهم مختلفين في دينهم متعادين متباغضين إلى يوم القيامة، فإن بعض اليهود جبرية، وبعضهم قدرية، وبعضهم مشبهة وكذلك النصارى فرق كالملكانية، والنسطورية، واليعقوبية، والمارونية.

فإن قلت: فهذا المعنى أيضا حاصل بين فرق المسلمين فكيف يكون ذلك عيبا على اليهود والنصارى حتى يذموا به. قلت: هذه البدع التي حصلت في المسلمين إنما حدثت بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم وعصر الصحابة والتابعين.

أما في الصدر الأول، فلم يكن شيء من ذلك حاصلا بينهم فحسن جعل ذلك عيبا على اليهود والنصارى في ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ يعني كلما أفسد اليهود وخالفوا حكم الله يبعث الله عليهم من يهلكهم. أفسدوا فبعث الله عليهم بختنصر البابلي ثم أفسدوا فبعث الله عليهم طيطوس الرومي ثم أفسدوا فسلط الله عليهم المجوس وهم الفرس ثم أفسدوا. وقالوا: يد الله مغلولة فبعث الله المسلمين فلا تزال اليهود في ذلة أبدا وقال مجاهد: معنى الآية كلما مكروا في حرب محمد صلى الله عليه وسلم أطفأه الله تعالى وقال السدي: كلما أجمعوا أمرهم على شيء ليفسدوا به أمر محمد صلى الله عليه وسلم فرّقه الله تعالى وكلما أوقدوا نارا في حرب محمد صلى الله عليه وسلم أطفأها الله وأخمد نارهم وقذف في قلوبهم الرعب وقهرهم ونصر نبيه ودينه وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً يعني ويجتهدون في دفع الإسلام ومحو ذكر محمد صلى الله عليه وسلم من كتبهم. وقيل: إنهم يسعون بالمكر والكيد والحيل وليس يقدرون على غير ذلك وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ يعني أن الله لا يحب من كانت هذه صفته. قال قتادة: لا نلقى اليهود ببلدة إلا وجدتهم من أذل الناس فيها وهم أبغض خلق الله إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>