الأعمال لا سيما لدفع المال وإنفاقه وإمساكه فأطلقوا اسم السبب على المسبب وأسندوا الجود والبخل إلى اليد مجازا فقيل للجواد الكريم فياض اليد ومبسوط اليد وقيل للبخيل مقبوض اليد.
وقوله تعالى: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا يعني: أمسكت أيديهم عن كل خير وطردوا عن رحمة الله.
قال الزجاج: رد الله عليهم فقال: أنا الجواد الكريم وهم البخلاء وأيديهم هي المغلولة الممسوكة. وقيل:
هذا دعاء على اليهود علمنا الله كيف ندعو عليهم؟ فقال: غلت أيديهم أي في نار جهنم. فعلى هذا هو من الغل حقيقة أي شدت أيديهم إلى أعناقهم وطرحوا في النار جزاء لهم على هذا القول ومعنى لعنوا بما قالوا عذبوا بسبب ما قالوا فمن لعنتهم أنهم مسخوا في الدنيا قردة وخنازير وضربت عليهم الذلة والمسكنة والجزية وفي الآخرة لهم عذاب النار.
وقوله تعالى: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يعني أنه تعالى جواد كريم ينفق كيف يشاء وهذا جواب لليهود ورد عليهم ما افتروه واختلقوه على الله تعالى عن قولهم علوا كبيرا وإنما أجيبوا بهذا الجواب على قدر كلامهم.
وأما الكلام في اليد فقد اختلف العلماء في معناها على قولين: أحدهما وهو مذهب جمهور السلف وعلماء أهل السنة وبعض المتكلمين أن يد الله صفة من صفات ذاته كالسمع والبصر والوجه فيجب علينا الإيمان بها والتسليم ونمرها كما جاءت في الكتاب والسنة بلا كيف ولا تشبيه ولا تعطيل قال الله تعالى لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين».
والقول الثاني: قول جمهور المتكلمين وأهل التأويل، فإنهم قالوا اليد تذكر في اللغة على وجوه، أحدها:
الجارحة وهي معلومة. وثانيهما: النعمة. يقال: لفلان عندي يد أشكره عليها. وثالثها: القدرة قال الله تعالى:
أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ فسروه بذوي القوى والعقول لا يدلك بهذا الأمر والمعنى سلب كمال القدرة. ورابعها:
الملك يقال هذه الضيعة في يد فلان أي في ملكه ومنه قوله تعالى الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ أي يملك ذلك، أما الجارحة فمنتفية في صفة الله عز وجل لأن العقل دل على أنه يمتنع أن تكون يد الله عبارة عن جسم مخصوص وعضو مركب من الأجزاء والأبعاض تعالى الله عن الجسمية والكيفية والتشبيه علوا كبيرا فامتنع بذلك أن تكون يد الله بمعنى الجارحة وأما سائر المعاني، التي فسرت اليد بها فحاصلة، لأن أكثر العلماء من المتكلمين زعموا أن اليد في حق الله عبارة عن القدرة وعن الملك وعن النعمة وهاهنا إشكالان:
أحدهما: أن اليد إذا فسرت بمعنى القدرة فقدرة الله واحدة ونص القرآن ناطق بإثبات اليدين في قوله تعالى بل يداه مبسوطتان وأجيب عن هذا الإشكال بأن اليهود لما جعلوا قولهم يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ كناية عن البخل أجيبوا على وفق كلامهم فقال: بل يداه مبسوطتان. أي ليس الأمر على ما وصفتموه من البخل بل هو جواد كريم على سبيل الكمال فإن من أعطى بيديه فقد أعطى عل أكمل الوجوه.
الإشكال الثاني: أن اليد إذا فسرت بالنعمة فنص القرآن ناطق بتثنية اليد ونعم الله غير محصورة ولا معدودة ومنه قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها وأجيب عن هذا الإشكال بأن التثنية بحسب الجنس ثم يدخل تحت كل واحد من الجنسين أنواع لا نهاية لها مثل: نعمة الدنيا ونعمة الدين ونعمة الظاهر ونعمة الباطن ونعمة النفع ونعمة الدفع. فالمراد بالتثنية، المبالغة في وصف النعمة. أجاب أصحاب القول عن هذا بأن قالوا: إن الله تعالى أخبر عن آدم أنه خلقه بيديه ولو كان معنى خلقه لآدم بقدرته أو بنعمته أو بملكه لم يكن لخصوصية آدم بذلك وجه مفهوم لأن جميع خلقه مخلوقون بقدرته وجميعهم في ملكه ومتقلبون في نعمه فلما خص الله آدم عليه السلام بقوله تعالى لما خلقت بيدي دون خلقه علم بذلك اختصاصه وتشريفه على غيره. ونقل الإمام فخر الدين