الأكثرون المراد بها صدقة التطوع، واتفق العلماء على أن كتمان صدقة التطوع أفضل وإخفاؤها خير من إظهارها، لأن ذلك أبعد من الرياء وأقرب إلى الإخلاص، ولأن فيه بعدا عما تؤثره النفس من إظهار الصدقة، وفي صدقة السر أيضا فائدة ترجع إلى الفقير الآخذ وهي أنه إذا أعطى في السر زال عنده الذل والانكسار وإذا أعطى في العلانية يحصل له الذل والانكسار ويدل على أن صدقة
السر أفضل ما روي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلّا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله تعالى ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ورجلان تحابا في الله تعالى اجتمعا على ذلك وافترقا عليه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه من خشية الله تعالى ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» أخرجاه في الصحيحين ووجه جواز إظهار الصدقة يكون ممن قد أمن على نفسه من مداخلة الرياء في عمله أو يكون ممن يقتدى به في أفعاله فإذا أظهر الصدقة تابعه غيره على ذلك، وأما الزكاة فإظهار إخراجها أفضل من كتمانها كالصلاة المكتوبة في الجماعة أفضل وصلاة التطوع في البيت أفضل ولكن في إظهار الزكاة نفي التهمة عن المزكي وقيل إن الآية واردة في زكاة الفرض، وكان إخفاؤها خيرا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنهم كانوا لا يظنون بأحد أنه يمنع الزكاة، فأما اليوم في زماننا إظهار الزكاة أفضل حتى لا يساء الظن به وقيل إن الآية عامة في جميع الصدقات الواجبة والتطوع والإخفاء أفضل في كل صدقة من زكاة غيرها. وقوله تعالى: وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ قيل إن من صلة زائدة تقديره ونكفر عنكم سيئاتكم قال ابن عباس جميع سيئاتكم وقيل أدخل من للتبغيض ليكون العباد على وجل ولا يتكلوا والمعنى ونكفر عنكم الصغائر من سيئاتكم وأصل التكفير في اللغة التغطية والستر وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ يعني من إظهار الصدقات وإخفائها. قوله عز وجل:
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ قيل سبب نزول هذه الآية: أن ناسا من المسلمين كان لهم قرابات وأصهار في اليهود وكانوا ينفعونهم وينفقون عليهم قبل أن يسلموا فلما أسلموا كرهوا أن ينفعوهم وأرادوا بذلك أن يسلموا وقيل كانوا يتصدقون على فقراء أهل المدينة فلما كثر المسلمون نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التصدق على المشركين كي تحملهم الحاجة إلى الدخول في الإسلام لحرصه صلّى الله عليه وسلّم على سلامهم فنزل ليس عليك هداهم ومعناه ليس عليك هداية من خالفك حتى تمنعهم الصدقة لأجل أن يدخلوا في الإسلام فحينئذ نتصدق عليهم فأعلمه الله تعالى أنه إنما بعث بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه، فأما كونهم مهتدين فليس ذلك إليك وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ يعني أن الله تعالى يوفق من يشاء فيهديه إلى الإسلام وأراد بالهداية هنا هداية التوفيق وأما هداية البيان والدعوة فكانت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما نزلت هذه الآية أعطوهم وتصدقوا عليهم وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ أي من مال فَلِأَنْفُسِكُمْ أي ما تفعلوا تنفعوا به أنفسكم وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ ظاهره خبر ومعناه نهي أي ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله وقال الزجاج: هذا خاص للمؤمنين أعلمهم الله تعالى أنه قد علم أن مرادهم بنفقتهم ما عنده وقيل معناه لستم في صدقاتكم على أقاربكم من المشركين تقصدون إلّا وجه الله وقد علم هذا من قلوبكم فأنفقوا عليهم إذا كنتم إنما تبتغون بذلك وجه الله في صلة الرحم وسد خلة مضطر قال بعض العلماء: لو أنفقت على شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلّا إلى المسلمين وهم أهل السهمان المذكورون في سورة التوبة، وجوز أبو حنيفة صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة، وخالفه سائر العلماء في ذلك فعلى هذا تكون الآية مختصة بصدقة التطوع أباح الله تعالى أن تصرف إلى فقراء المسلمين وفقراء أهل