إنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب ياسين فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال الشيخ لهما أمعكما آية قالا نعم نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله قال الشيخ إن لي ابنا مريضا منذ سنين قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحا ففشا الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرا من المرضى، وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم فانتهى خبرهما إليه فدعا بهما، وقال: من أنتما قالا: رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام، قال: وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر فقال ولنا إله دون آلهتنا قالا نعم الذي أوجدك وآلهتك قال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما وقال وهب بعث عيسى عليه السلام هذين الرجلين إلى أنطاكية فأتياها فلم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله تعالى فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة فلما كذبا وضربا بعث عيسى عليه الصلاة والسلام رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما ليبصرهما، فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه وأنس به وأكرمه ورضي عشرته فقال للملك ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما، فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، قالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قال: ما تتمناه فأمر الملك حتى جاءوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذ بندقتين من طين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك إن أنت سألت إلهك حتى يصنع لك مثل هذا كان لك الشرف ولإلهك، فقال له الملك ليس لي عنك سر مكتوم فإن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم ويصلي ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما قالا إلهنا قادر على كل شيء فقال الملك إن هاهنا ميتا قد مات منذ سبعة أيام ابن دهقان وأنا أخّرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا، فجاؤوا بالميت وقد تغيّر وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وشمعون يدعو ربه سرا فقام الميت وقال: إني ميت منذ سبعة أيام ووجدت مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم عليه فآمنوا بالله ثم قال فتحت أبواب السماء فنظرت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن الثلاثة قال شمعون وهذان وأشار بيده إلى صاحبيه فعجب الملك من ذلك فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن الملك وآمن معه قوم وكفر آخرون وقيل بل كفر الملك وأجمع على قتل الرسل هو وقومه فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين فذلك قوله تعالى: