صبي ولا امرأة فمكثوا ثلاثة أيام ثم هلكوا ولم يتوالدوا ولم يأكلوا ولم يشربوا وكذلك كل ممسوخ.
[[سورة المائدة (٥): آية ١١٦]]
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦)
قوله عز وجل: وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ الآية اختلف المفسرون في وقت هذا القول فقال السدي: قال الله لعيسى هذا القول حين رفعه إلى السماء بدليل أن حرف إذ يكون للماضي وقال سائر المفسرين: إنما يقول الله له هذا القول يوم القيامة بدليل قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وذلك يوم القيامة وبدليل قوله هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ وذلك يوم القيامة وأجيب عن حرف إذ بأنها قد تجيء بمعنى إذا كقوله وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا يعني إذ فزعوا وقال الراجز ثم جزاك الله عني إذا جزى.
جنات عدن في السموات العلى ولفظ الآية في قوله: أأنت قلت للناس لفظ استفهام ومعناه الإنكار والتوبيخ لمن ادعى ذلك على عيسى عليه السلام من النصارى، لأن عيسى عليه السلام لم يقل هذه المقالة، فإن قلت إذا كان عيسى عليه السلام لم يقلها فما وجه هذا السؤال له مع علم الله بأنه لم يقله؟ قلت: وجه هذا السؤال تثبيت الحجة على قومه وإكذاب لهم في ادعائهم ذلك عليه وأنه أمرهم به فهو كما يقول القائل لآخر: أفعلت كذا؟ وهو يعلم أنه لم يفعله وإنما أراد تعظيم ذلك الفعل فنفى عن نفسه هذه المقالة. وقال: ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم فاعترف بالعبودية وأنه ليس بإله كما زعمت وادعت فيه النصارى فإن قلت إن النصارى لم يقولوا بإلهية مريم، فكيف قال: اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قلت إن النصارى لما ادعت في عيسى أنه إله ورأوا أن مريم ولدته لزمهم بهذه المقالة على سبيل التبعية وقوله تعالى إخبارا عن عيسى عليه السلام قالَ سُبْحانَكَ يعني تنزيها لك عن النقائص وبراءة لك من العيوب قال أبو روق إذا سمع عيسى عليه السلام قالَ سُبْحانَكَ يعني تنزيها لك عن النقائص وبراءة لك من العيوب قال أبو روق إذا سمع عيسى عليه السلام هذا الخطاب وهو قوله: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ارتعدت مفاصله وانفجرت من أصل كل شعرة من جسده عين من دم وقال مجيبا لله تعالى سبحانك ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ أي كيف أقول هذا الكلام ولست بأهل ولست أستحق العبادة حتى ادعو الناس إليها ولما بيّن أنه ليس له أن يقول هذه المقالة وهذا المقام مقام التواضع والخشوع لعظمة الله تعالى شرع في بيان هل وقع ذلك منه أم لا؟ فقال: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ أسند العلم إلى الله تعالى وهذا هو غاية الأدب وإظهار المسكنة لعظمة الله تعالى وتفويض الأمر إلى علمه ثم قال تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ يعني تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم وقال ابن عباس تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك وقيل معناه تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي وقيل معناه تعلم ما كان مني في دار الدنيا ولا أعلم ما يكون منك في دار الآخرة وقيل معناه تعلم ما أقول وأفعل ولا أعلم ما تقول وتفعل والنفس عبارة عن ذات الشيء يقال نفس الشيء وذاته بمعنى واحد. وقال الزجاج: النفس عبارة عن جملة الشيء وحقيقته يقال تعلم جميع حقيقة أمري ولا أعلم حقيقة أمرك. وقيل: معناه تعلم معلومي ولا أعلم معلومك وإنما ذكر هذا الكلام على طريقة المشاكلة والمطابقة وهو من فصيح الكلام ثم قال: إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ يعني أنك تعلم ما كان وما سيكون وهذا تأكيد لما تقدم من قوله تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك.