للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على السبعين قال إنه منافق فصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون زاد في رواية فترك الصلاة عليهم.

وقوله سبحانه وتعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني أن هذا الفعل من الله وهو ترك العفو عنهم وترك المغفرة لهم من أجل أنهم اختاروا الكفر على الإيمان بالله ورسوله وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يعني والله لا يوافق للإيمان به وبرسوله من اختار الكفر والخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله.

قوله عز وجل: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ يعني فرح المتخلفون عن غزوة تبوك والمخلف المتروك بمقعدهم يعني بقعودهم في المدينة خلاف رسول الله يعني بعده وعلى هذا المعنى خلاف بمعنى خلف فهو اسم للجهة المعينة لأن الإنسان إذا توجه إلى قدامه فمن تركه خلفه فقد تركه بعده وقيل معناه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى تبوك وأقاموا بالمدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أمرهم بالخروج إلى الجهاد فاختاروا القعود مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى: وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والمعنى أنهم فرحوا بسبب التخلف وكرهوا الخروج إلى الجهاد وذلك أن الإنسان يميل بطبعه إلى إيثار الراحة والقعود مع الأهل والولد ويكره إتلاف النفس والمال وهو قوله سبحانه وتعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ وكانت غزوة تبوك في شدة الحر فأجاب الله عن هذا بقوله سبحانه وتعالى: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ يعني: قل يا محمد لهؤلاء الذين اختاروا الراحة والقعود خلافك عن الجهاد في الحر أن نار جهنم التي هي موعد في الآخرة أشد حرا من حر الدنيا لو كانوا يعلمون. قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف. فقال رجال: يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفر في الحر فقال الله عز وجل قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فأمره الله تعالى بالخروج فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا يعني فليضحك هؤلاء الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحين قليلا في الدنيا الفانية بمقعدهم خلافه وَلْيَبْكُوا كَثِيراً يعني مكان ضحكهم في الدنيا وهذا وإن ورد بصيغة الأمر إلا أن معناه الإخبار والمعنى: أنهم وإن فرحوا وضحكوا طول أعمارهم في الدنيا فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة لأن الدنيا فانية والآخرة باقية والمنقطع الفاني بالنسبة إلى الدائم الباقي قليل جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني إن ذلك البكاء في الآخرة جزاء لهم على ضحكهم وأعمالهم الخبيثة في الدنيا (خ). عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» وروى البغوي بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس ابكوا فإن لم تستطيعوا أن تبكوا» فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت».

[سورة التوبة (٩): الآيات ٨٣ الى ٨٥]

فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)

قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ يعني فإن ردك الله يا محمد من غزاتك هذه إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>