ويروى عن سهل بن سعد الساعدي أن الله تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدرهم فجعل الجبل دكا يعني مستويا بالأرض وقال ابن عباس: جعله ترابا وقال سفيان ساخ الجبل حتى وقع في البحر فهو يذهب فيه وقال عطية العوفي صار رملا هائلا وقال الكلبي جعله دكا يعني كسرا جبالا صغارا وقيل إنه صار لعظمة الله تعالى ستة أجبل فوقع ثلاثة بالمدينة وهي: أحد وورقان ورضوى ووقع ثلاثة بمكة وهي: ثور وثبر وحراء وقوله تعالى:
وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً قال ابن عباس والحسن يعني مغشيا عليه. وقال قتادة يعني ميتا والأول أصح لقوله فَلَمَّا أَفاقَ والميت لا إفاقة له إنما يقال أفاق من غشيته قال الكلبي صعق موسى عليه الصلاة والسلام يوم الخميس وهو يوم عرفة وأعطي التوراة يوم الجمعة يوم النحر. وقال الواقدي: لما خر موسى صعقا قالت ملائكة السموات: ما لابن عمران وسؤال الرؤية وفي بعض الكتب أن ملائكة السموات أتوا موسى وهو في غشيته فجعلوا يركلونه ويقولون يا ابن النساء الحيض أطمعت في رؤية رب العزة فلما أفاق يعني من غشيته ورجع عقله إليه وعرف أنه سأل أمرا عظيما لا ينبغي له قالَ سُبْحانَكَ يعني تنزيها لك من النقائص كلها تُبْتُ إِلَيْكَ يعني من مسألتي الرؤية بغير إذنك وقيل من سؤال الرؤية في الدنيا وقيل لما كانت الرؤية مخصوصة بمحمد صلى الله عليه وسلم فمنعها قال سبحانك تبت إليك يعني من سؤال ما ليس لي وقيل لما سأل الرؤية ومنعها قال تبت إليك يعني من هذا السؤال وحسنات الأبرار سيئات المقربين وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يعني بأنك لا ترى في الدنيا وقيل وأنا أول المؤمنين يعني من بني إسرائيل بقي في الآية سؤالات: الأول أن الرؤية عين النظر فكيف قال أرني أنظر إليك وعلى هذا يكون التقدير أرني حتى أراك؟ والجواب عنه: أن معنى قوله أرني اجعلني متمكن من رؤيتك حتى أنظر إليك وأراك.
السؤال الثاني كيف قال لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ حتى يكون مطابقا لقوله «أنظر إليك»؟ والجواب: أن النظر لما كان مقدمة الرؤية كان المقصود هو الرؤية لا النظر الذي لا رؤية معه.
السؤال الثالث: كيف استدرك وكيف اتصل الاستدراك من قوله: وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ بما قبله؟
والجواب أن المقصود منه تعظيم أمر الرؤية وأن أحدا لا يقوى على رؤيته تعالى إلا من قواه الله تعالى بمعونته وتأييده ألا ترى أنه لما ظهر أصل التجلي للجبل اندك وتقطع فهذا هو المراد من هذا الاستدراك لأنه يدل على تعظيم أمر الرؤية والله أعلم بمراده.
[[سورة الأعراف (٧): آية ١٤٤]]
قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)
قوله عز وجل: قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي يعني قال الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام يا موسى إني اخترتك واتخذتك صفوة. الاصطفاء الاستخلاص من الصفوة والاجتباء والمعنى إني فضلتك واجتبيتك على الناس وفي هذا تسلية لموسى عليه الصلاة والسلام عن منع الرؤية حين طلبها لأن الله تعالى عدد عليه نعمه التي أنعم بها عليه وأمره أن يشتغل بشكرها كأنه قال له إن كنت منعت من الرؤية التي طلبت فقد أعطيتك من النعم العظيمة كذا وكذا فلا يضيقن صدرك بسبب منع الرؤية وانظر إلى سائر أنواع النعم التي خصصتك بها ويه الاصطفاء على الناس برسالاتي وبكلامي يعني من غير واسطة لأن غيره من الرسل منع كلام الله تعالى إلا بواسطة الملك.
فإن قلت كيف قال اصطفيتك على الناس برسالاتي مع أن كثيرا من الأنبياء قد ساواه في الرسالة قلت ذكر العلماء عن هذا السؤال جوابين:
أحدهما: ذكره البغوي فقال لما لم تكن الرسالة على العموم في حق الناس كافة استقام قوله «اصطفيتك على الناس» وإن شاركه فيها غيره كما يقول الرجل للرجل خصصتك بمشورتي وإن كان قد شاور غيره إذا لم تكن