للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليل على أن إبراهيم عليه السلام لم يكن من القانطين، ولكنه استبعد حصول الولد على الكبر فظنت الملائكة أن به قنوطا فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أن القانط من رحمة الله تعالى من الضالين لأن القنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكر الله ولا يحصل إلا عند من يجهل كون الله تعالى قادرا على ما يريد، ومن يجهل كونه سبحانه وتعالى عالما بجميع المعلومات فكل هذه الأمور سبب للضلالة قالَ يعني إبراهيم فَما خَطْبُكُمْ يعني فما شأنكم وما الأمر الذي جئتم فيه أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ والمعنى ما الأمر الذي جئتم به سوى ما بشرتموني به من الولد قالُوا يعني الملائكة إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ يعني لهلاك قوم مجرمين إِلَّا آلَ لُوطٍ يعني أشياعه وأتباعه من أهل دينه إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ يعني امرأة لوط قَدَّرْنا يعني قضينا وإنما أسند الملائكة القدر إلى أنفسهم وإن كان ذلك لله عز وجل، لاختصاصهم بالله وقربهم منه كما تقول خاصة الملك نحن أمرنا، ونحن فعلنا وإن كان قد فعلوه بأمر الملك إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ يعني لمن الباقين في العذاب والاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي فاستثناء امرأة لوط من الناجين يلحقها بالهالكين.

[سورة الحجر (١٥): الآيات ٦١ الى ٧٠]

فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥)

وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠)

فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ وذلك أن الملائكة عليهم السلام لما بشروا إبراهيم بالولد، وعرفوه بما أرسلوا به ساروا إلى لوط وقومه فلما دخلوا على لوط قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ وإنما قال هذه المقالة لوط لأنهم دخلوا عليه وهم في زي شبان مردان حسان الوجوه، فخاف أن يهجم عليهم قومه فلهذا السبب قال هذه المقالة.

وقيل: إن النكرة ضد المعرفة فقوله: إنكم قوم منكرون يعني لا أعرفكم ولا أعرف من أي الأقوام أنتم، ولا لأي غرض دخلتم فعند ذلك قالُوا يعني الملائكة بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ يعني جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ يعني باليقين الذي لا شك فيه وَإِنَّا لَصادِقُونَ يعني فيما أخبرناك به من إهلاكهم فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بقطع من الليل يعني آخر الليل، والقطع القطعة من الشيء وبعضه وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ يعني واتبع آثار أهلك وسر خلفهم وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يعني حتى لا يرى ما نزل بقومه من العذاب فيرتاع بذلك، وقيل: المراد الإسراع في السير وترك الالتفات إلى ورائه، والاهتمام بما خلفه كما تقول امض لشأنك ولا تعرج على شيء وقيل جعل ترك الالتفات علامة لمن ينجو من آل لوط، ولئلا يتخلف أحد منهم فيناله العذاب وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ قال ابن عباس: يعني إلى الشام وقيل: الأردن، وقيل إلى حيث يأمركم جبريل وذلك أن جبريل أمرهم أن يسيروا إلى قرية معينة، ما عمل أهلها عمل قوم لوط وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ يعني وأوحينا إلى لوط ذلك الأمر الذي حكمنا به على قومه، وفرغنا منه ثم إنه سبحانه وتعالى فسر ذلك الأمر الذي قضاه بقوله أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ يعني أن هؤلاء القوم يستأصلون عن آخرهم بالعذاب وقت الصبح وإنما أبهم الأمر الذي قضاه عليهم أولا، وفسر ثانيا تفخيما له وتعظيما لشأنه وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يعني مدينة سدوم وهي مدينة قوم لوط يَسْتَبْشِرُونَ يعني يبشر بعضهم بعضا بأضياف لوط والاستبشار: إظهار الفرح والسرور، وذلك أن الملائكة لما نزلوا على لوط ظهر أمرهم في المدينة، وقيل إن امرأته أخبرتهم بذلك، وكانوا شبانا مردا في غاية الحسن ونهاية الجمال فجاء قوم لوط إلى داره طمعا منهم في ركوب الفاحشة قالَ يعني

<<  <  ج: ص:  >  >>