عليه وهو في نفسه مباح متسع، وحلال مطلق لا مقال فيه ولا عيب عند الله وربما كان الدخول في ذلك المباح سلما إلى حصول واجبات يعظم أثرها في الدين وهو إنما جعل الله طلاق زيد لها، وتزويج النبي صلّى الله عليه وسلّم إياها لإزالة حرمة التبني وإبطال سنته كما قال الله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وقال لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ فإن قلت فما الفائدة في أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم زيدا بإمساكها. قلت: هو أن الله تعالى أعلم نبيه أنها زوجته فنهاه النبي صلّى الله عليه وسلّم، عن طلاقها وأخفى في نفسه ما أعلمه الله به فلما طلقها زيد خشي قول الناس يتزوج امرأة ابنه فأمره الله تعالى بزواجها ليباح مثل ذلك لأمته، وقيل: كان في أمره بإمساكها قمعا للشهوة وردا للنفس عن هواها وهذا إذا جوزنا القول المتقدم الذي ذكره المفسرون وهو أنه أخفى محبتها أو نكاحها لو طلقها زيد، ومثل ذلك لا يقدح في حال الأنبياء، مع أن العبد غير ملوم على ما يقع في قلبه من مثل هذه الأشياء، وأنه رآها فجأة فاستحسنها ومثل هذه لا نكرة فيه لما طبع عليه البشر من استحسان الحسن، ونظرة الفجأة معفو عنها ما لم يقصد مأثما لأن الود وميل النفس من طبع البشر والله أعلم.
وقوله أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ أمر بالمعروف، وهو حسن لا إثم فيه وقوله وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ لم يرد به أنه لم يكن يخشى الله فيما سبق فإنه عليه الصلاة والسلام، قد قال أنا أخشاكم لله وأتقاكم له ولكنه لما ذكر الخشية من الناس، ذكر أن الله أحق بالخشية في عموم الأحوال في جميع الأشياء. قوله عز وجل فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً أي حاجته منها، ولم يبق له فيها أرب وتقاصرت همته عنها وطابت عنها نفسه وطلقها، وانقضت عدتها وذكر قضاء الوطر ليعلم أن زوجة المتبني تحل بعد الدخول بها زَوَّجْناكَها قال أنس:
كانت زينب تفتخر على أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم تقول: زوجكن آباؤكن وزوجني الله من فوق سبع سموات، وقال الشعبي:«كانت زينب تقول للنبي صلّى الله عليه وسلّم إني لأدل عليك بثلاث ما من امرأة من نسائك تدل بهن جدي وجدك واحد وإني أنكحنيك الله في السماء وإن السفير جبريل عليه السلام»(م) عن أنس قال لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لزيد: اذهب فاذكرها على قال فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها لأن رسول الله ذكرها فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت يا زينب أرسل رسول الله يذكرك قالت ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخل عليها بغير إذن قال: فلقد رأيتنا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أطعمنا الخبز واللحم حتى امتد النهار فخرج الناس، وبقي أناس يتحدثون في البيت بعد الطعام فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واتبعته فجعل يتتبع حجر نسائه يسلم عليهن ويقلن يا رسول الله كيف وجدت أهلك قال: فما أدري أنا أخبرته أن القوم قد خرجوا أم غيري قال فانطلق حتى دخل البيت، وذهبت لأدخل معه فألقى الستر بيني وبينهم ونزل الحجاب (ق) عن أنس قال ما أولم النبي صلّى الله عليه وسلّم على شيء من نسائه، ما أولم على زينب أولم بشاة وفي رواية أكثر وأفضل، ما أولم على زينب قال ثابت: بم أولم قال أطعمهم خبزا ولحما حتى تركوه. قوله عز وجل لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ أي إثم فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ جمع الدعي وهو المتبني إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً يقول: يقول زوجناك زينب وهي امرأة زيد الذي كنت تبنيته، ليعلم أن زوجة المتبنى حلال للمتبني وإن كان قد دخل بها المتبني بخلاف امرأة ابن الصلب فإنها لا تحل للأب وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا أي قضاء الله ماضيا وحكمه نافذا وقد قضى في زينب أن يتزوجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قوله تعالى: