قوله عز وجل: وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً عُذْراً أَوْ نُذْراً اعلم أن المفسرين ذكروا في هذه الكلمات الخمس وجوها:
الأول: أن المراد بأسرها الرّياح ومعنى المرسلات عرفا الرياح أرسلت متتابعة كعرف الفرس، وقيل عرفا أي كثيرا فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً يعني الرّياح الشّديدة الهبوب، وَالنَّاشِراتِ نَشْراً. يعني الرياح اللّينة، وقيل هي الرياح التي أرسلها نشرا بين يدي رحمته، وقيل هي الرّياح التي تنشر السحاب، وتأتي بالمطر فالفارقات فرقا يعني الرياح التي تفرق السحاب، وتبدده فالملقيات ذكرا يعني أن الرياح إذا أرسلت عاصفة شديدة قلعت الأشجار، وخربت الديار، وغيرت الآثار. فيحصل بذلك خوف للعباد في القلوب، فيلجئون إلى الله تعالى ويذكرونه، فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر، والمعرفة في القلوب عند هبوبها.
الوجه الثاني: أن المراد بأسرها الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ومعنى والمرسلات عرفا. الملائكة الذين أرسلوا بالمعروف من أمر الله، ونهيه وهذا القول رواية عن ابن مسعود فالعاصفات عصفا يعني الملائكة تعصف في طيرانهم، ونزولهم كعصف الرياح في السرعة، والناشرات نشرا يعني أنهم إذا نزلوا إلى الأرض نشروا أجنحتهم، وقيل هم الذين ينشرون الكتب، ودواوين الأعمال يوم القيامة فالفارقات فرقا. قال ابن عباس: يعني الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل، فالملقيات ذكرا يعني الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء، وقيل يجوز أن يكون الذكر هو القرآن خاصة فعلى هذا يكون الملقى هو جبريل وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم.
الوجه الثالث: أن المراد بأسرها آيات القرآن، ومعنى المرسلات عرفا آيات القرآن المتتابعة في النزول على محمد صلّى الله عليه وسلّم بكل عرف وخير فالعاصفات عصفا يعني آيات القرآن تعصف القلوب بذكر الوعيد حتى تجعلها كالعصف وهو النبت المتكسر، والناشرات نشرا يعني آيات القرآن تنشر أنوار الهداية والمعرفة في قلوب المؤمنين. فالفارقات فرقا يعني آيات القرآن تفرق بين الحق والباطل فالملقيات ذكرا يعني آيات القرآن هي الذّكر الحكيم الذي يلقى الإيمان والنور في قلوب المؤمنين.