للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جئتنا فمتى يكون ما وعدتنا به من زوال ما نحن فيه قالَ موسى مجيبا لهم عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ يعني فرعون وقومه وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ يعني ويجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني فيرى ربكم كيف تعملون من بعدهم. قال الزجاج: فيرى وقوع ذلك منهم لأن الله تعالى لا يجازيهم بما يعلمه منهم وإنما يجازيهم على ما يقع منهم.

قوله عز وجل: وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ يعني بالقحط والجدب. تقول العرب: مستهم السنة بمعنى أخذهم الجدب في السنة ويقال أسنتوا كما يقال أجدبوا قال الشاعر:

ورجال مكة مسنتون عجاف ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف» ومعنى الآية: ولقد أخذنا آل فرعون بالجدب والقحط والجوع سنة بعد سنة وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ يعني وإتلاف الغلات بالآفات. قال قتادة أما السنون فلأهل البوادي وأما نقص الثمرات فلأهل الأمصار لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يعني لعلهم يتعظون فيرجعوا عما هم فيه من الكفر والمعاصي وذلك لأن الشدة ترقق القلوب وترغب فيما عند الله عز وجل من الخير، ثم بين الله تعالى أنهم عند نزول العذاب وتلك المحن عليهم والشدة لم يزدادوا إلا تمردا وكفرا فقال تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعني الغيث والخصب والسعة والعافية والسلامة من الآفات قالُوا لَنا هذِهِ أي نحن مستحقون لها ونحن أهلها على العادة التي جرت لنا في سعة الأرزاق وصحة الأبدان ولم يروا ذلك من فضل الله عليهم فيشكروه على إنعامه وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني القحط والجدب والمرض والبلاء ورأوا ما يكرهون في أنفسهم يَطَّيَّرُوا يعني يتشاءموا وأصله يتطيروا والتطير التشاؤم في قول جميع المفسرين بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ يعني أنهم قالوا ما أصابنا بلاء إلا حين رأيناهم وما ذلك إلا بشؤم موسى وقومه. قال سعيد بن جبير ومحمد بن المنكدر: كان ملك فرعون أربعمائة سنة وعاش ستمائة وعشرين وسنة لم يروا مكروها قط ولو كان حصل له في تلك المدة جوع يوم أو حمى ليلة أو وجع ساعة لما ادعى الربوبية قط أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يعني أن نصيبهم من الخصب والجدب والخير والشر كله من الله قال ابن عباس رضي الله عنهما طائرهم ما قضي لهم وقدر عليهم من عند الله وفي رواية عنه شؤمهم عند الله تعالى ومعناه أنه إنما جاءهم بكفرهم بالله وقيل الشؤم العظيم هو الذي لهم عند الله من عذاب النار وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يعني أن ما أصابهم من الله تعالى وإنما قال أكثرهم لا يعلمون لأن أكثر الخلق يضيفون الحوادث إلى الأسباب ولا يضيفونها إلى القضاء والقدر.

[سورة الأعراف (٧): الآيات ١٣٢ الى ١٣٣]

وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣)

قوله تعالى: وَقالُوا يعني قوم فرعون وهم القبط لموسى عليه السلام مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ يعني من عند ربك فهي عندنا سحر وهو قولهم لِتَسْحَرَنا بِها يعني لتصرفنا عما نحن عليه من الدين فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ يعني بمصدّقين وكان موسى عليه الصلاة والسلام رجلا حديدا مستجاب الدعوة فدعا عليهم فاستجاب الله عز وجل دعاءه فقال تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ قال ابن عباس رضي الله عنهما وسعيد بن جبير وقتادة ومحمد بن إسحاق: دخل كلام بعضهم في بعض قالوا لما آمنت السحرة ورجع فرعون مغلوبا أبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر فتابع الله عز وجل عليهم الآيات فأخذهم أولا بالسنين وهو بالقحط ونقص الثمرات وأراهم قبل ذلك من المعجزات اليد والعصا فلم يؤمنوا فدعا عليهم موسى وقال: يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا وإن قومه قد نقضوا العهد رب فخذهم بعقوبة تجعلها عليهم نقمة ولقومي عظة

<<  <  ج: ص:  >  >>