للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي جاءك من عند الله متبعا أهواءهم، وقوله: ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم لكن المراد به غيره لأنه صلى الله عليه وسلم لم يتبع أهواءهم قط.

وقوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً الخطاب في قوله منكم للأمم الثلاثة أمة موسى وأمة عيسى وأمة محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين بدليل أن الله عز وجل قال قبل هذه إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ ثم قال بعد ذلك وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ثم قال وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ ثم جمع فقال لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً والشرعة: الشريعة. يعني لكل أمة شريعة فللتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة والدين واحد وهو التوحيد. وأصل الشريعة من الشرع وهو البيان والإظهار فمعنى شرع بيّن وأوضح.

وقيل: هو من الشروع في الشيء. والشريعة في كلام العرب، المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون ويسقون منها. وقيل: الشريعة الطريقة ثم استعير ذلك للطريقة الإلهية المؤدية إلى الدين والمنهاج الطريق الواضح وقال بعضهم الشريعة والمنهاج عبارتان عن معنى واحد والتكرير للتأكيد والمراد بهما: الدين وقال آخرون: بينهما فرق لطيف وهو أن الشريعة هي التي أمر الله بها عباده. والمنهاج: الطريق الواضح المؤدي إلى الشريعة.

قال ابن عباس: في قوله شرعة ومنهاجا سنة وسبيلا. وقال قتادة: سبيلا وسنة فالسنن مختلفة للتوراة شريعة وللإنجيل شريعة وللقرآن شريعة يحل الله عز وجل فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه والدين الذي لا يقبل غيره هو التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع الرسل عليهم السلام وقال علي بن أبي طالب: الإيمان منذ بعث آدم عليه السلام شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء من عند الله ولكل قوم شريعة ومنهاج. قال العلماء: وردت آيات دالة على عدم التباين في طريقة الأنبياء والرسل منها قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ ووردت آيات دالة على حصول التباين بينهم منها هذه الآية وهي قوله لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وطريق الجمع بين هذه الآيات أن كل آية دلت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله ولم يختلفوا فيه.

وأما الآيات الدالة على حصول التباين بينهم، فمحمولة على الفروع، وما يتعلق بظواهر العبادات فجائز أن يتعبد الله عباده في كل وقت بما يشاء فهذه طريق الجمع بين هذه الآيات والله أعلم بأسرار كتابه واحتج بهذه من قال إن شرع من قبلنا لا يلزمنا لأن قوله لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا يدل على أن كل رسول جاء بشريعة خاصة فلا يلزم أمة رسول الاقتداء بشريعة رسول آخر ثم قال تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يعني جماعة متفقة على شريعة واحدة ودين واحد لا اختلاف فيه وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ يعني ولكن أراد أن يختبركم فِي ما آتاكُمْ يعني من الشرائع المختلفة هل تعلمون بها أم لا؟ فيتبين بذلك المطيع من العاصي والموافق من المخالف اسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ

هذا خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يعني فبادروا يا أمة محمد بالأعمال الصالحات التي تقربكم إلى الله تعالى إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً يعني المطيع والعاصي والموافق والمخالف فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ يعني: فيخبركم في الآخرة بما كنتم فيه تختلفون من أمر الدين والدنيا. والمعنى: فيخبركم في الآخرة بما لا تشكون معه فيفصل بين المحق والمبطل والطائع والعاصي بالثواب والعقاب.

[سورة المائدة (٥): الآيات ٤٩ الى ٥٠]

وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)

قوله تعالى: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قال ابن عباس: إن كعب بن أسيد وعبد الله بن صوريا

<<  <  ج: ص:  >  >>