للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقريب الذي لا يرث فعلى قول هؤلاء النسخ يتناول بعض أحكام الآية، وذهب الأكثرون من المفسرين والعلماء وفقهاء الحجاز والعراق إلى أن وجوبها صار منسوخا في حق الكافة وهي مستحبة في حق من لا يرث ويدل على استحباب الوصية والحث عليها ما روي عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه» وفي رواية: «له شيء يريد أن يوصي به أن يبيت ليلتين» وفي رواية: «ثلاث ليال إلّا ووصيته مكتوبة عنده» قال نافع سمعت عبد الله بن عمر يقول: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول ذلك إلّا ووصيتي مكتوبة عندي أخرجه الجماعة. قوله: ما حق امرئ الحق يشتمل معناه على الوجوب والندب والحث، فيحمل هنا على الحث في الوصية لأنه لا يدري متى يأتيه الموت فربما أتاه بغتة فيمنعه عن الوصية. وقوله تعالى:

بِالْمَعْرُوفِ أي بالعدل الذي لا وكس فيه ولا شطط فلا يزيد على الثلث ولا يوصي للغني ويدع الفقير (ق) عن سعد بن أبي وقاص قال: «جاءني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله إني قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال ولا يرثني إلّا ابنة لي أفأتصدق بثلثي ما لي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أو قال والثلث كبير إنك إن تذر ذريتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» العالة الفقراء وقوله يتكففون الناس التكفف. المسألة: من الناس كأنه من الطلب بالأكف (ق) عن ابن عباس قال: في الوصية: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لسعد والثلث كثير وقال علي بن أبي طالب لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث فمن أوصى بالثلث فلم يترك» وقيل يوصي بالسدس أو بالخمس أو الربع حَقًّا أي ثابتا ثبوت ندب لا ثبوت فرض ووجوب عَلَى الْمُتَّقِينَ أي على المؤمنين الذين يتقون الشرك.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٨١]]

فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٨١)

فَمَنْ بَدَّلَهُ أي غير الوصية من الأولياء والأوصياء وذلك التغيير يكون إما في الكتابة أو في قسمة الحقوق، أو الشهود بأن يكتموا الشهادة أو يغيروها. وإنما ذكر الكناية في بدله مع أن الوصية مؤنثة لأن الوصية بمعنى الإيصاء كقوله: «فمن جاءه موعظة» أي وعظ والتقدير فمن بدل قول الميت، أو ما أوصي به بَعْدَ ما سَمِعَهُ أي من الموصي وتحققه فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ أي إن إثم ذلك التبديل لا يعود إلّا على المبدل، والموصي والموصى له بريئان منه إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يعني لما أوصى به الموصي عَلِيمٌ يعني بتبديل المبدل.

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٨٢ الى ١٨٣]

فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)

فَمَنْ خافَ أي علم وهو خطاب عام لجميع المسلمين مِنْ مُوصٍ جَنَفاً يعني جورا في الوصية وعدولا عن الحق، والجنف الميل أَوْ إِثْماً أي ظلما فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ وقيل الجنف الخطأ في الوصية والإثم العمد. وقيل في معنى الآية: إنه إذا حضر رجل مريضا وهو يوصي فرآه يميل في وصيته إما بتقصير أو إسراف أو وضع الوصية في غير موضعها فلا حرج عليه أن يأمره بالعدل في وصيته وينهاه عن الجنف والميل، وقيل إنه أراد به إذا أخطأ الميت في وصيته أو حاف متعمدا فلا حرج على وليه أو وصيه أو ولي أمور المسلمين أن يصلح بعد موته بين ورثته وبين الموصى لهم، ويرد الوصية إلى العدل والحق فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ أي فلا حرج عليه في الصلح إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي لمن أصلح وصيته بعد الجنف والميل. عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن الرجل والمرأة ليعمل بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية

<<  <  ج: ص:  >  >>