وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ يعني لا مغيث لهم وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ يعني ينجون من الغرق قال ابن عباس ولا أحد ينقذهم من عذابي إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ يعني إلا أن يرحمهم الله ويمتعهم إلى انقضاء آجالهم وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ قال ابن عباس ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يعني الآخرة فاعملوا لها وَما خَلْفَكُمْ يعني الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها.
وقيل ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يعني وقائع الله تعالى بمن كان قبلكم من الأمم وَما خَلْفَكُمْ يعني الآخرة لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي لتكونوا على رجاء الرحمة وجواب إذا محذوف تقديره وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا ويدل على الحذف قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ أي دلالة على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ قوله عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ أي مما أعطاكم اللَّهُ نزلت في كفار قريش وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله تعالى من أموالكم وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ أي أنرزق مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ أي رزقه قيل كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين قال له اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، ويقول قد منعه أفأطعمه أنا ومعنى الآية أنهم قالوا لو أراد الله أن يرزقهم لرزقهم فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نطعم من لم يطعمه وهذا مما يتمسك به البخلاء، يقولون لا نعطي من حرمه الله وهذا الذي يزعمون باطل لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا وأعطى الدنيا الغني لا استحقاقا وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له من مال الغني ولا اعتراض لأخذ في مشيئة الله وحكمته في خلقه والمؤمن يوافق أمر الله تعالى وقيل قالوا هذا على سبيل الاستهزاء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قيل هو من قول الكفار للمؤمنين ومعناه ما أنتم إلا في خطأ بيّن باتباعكم محمدا وترك ما نحن عليه. وقيل هو من قول الله تعالى للكفار لما ردوا من جواب المؤمنين وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يعني يوم القيامة والبعث إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قال الله تعالى: ما يَنْظُرُونَ أي ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يريد النفخة الأولى تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أي في أمر الدنيا من البيع والشراء ويتكلمون في الأسواق والمجالس وفي متصرفاتهم فتأتيهم الساعة أغفل ما كانوا عنها، وقد صح في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» أخرجه البخاري وهو طرف من حديث. ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس» اللقحة بفتح اللام وكسرها الناقة القريبة العهد من النتاج وقوله وهو يليط حوضه يعني يطينه ويصلحه، وكذلك يلوط حوض إبله وأصله من اللوط. وقوله أصغى ليتا الليت صفحة العنق وأصغى يعني أمال عنقه يسمع.