للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة القلم (٦٨): الآيات ٣٢ الى ٤٢]

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)

أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١)

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)

عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ قال ابن مسعود بلغني أن القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا قال الله تعالى: كَذلِكَ الْعَذابُ أي كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وخالف أمرنا يخوف بذلك كفار مكة ثم قال تعالى: وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ثم أخبر بما أعد الله للمتقين فقال تعالى: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي عند ربهم في الآخرة ولما نزلت هذه الآية قال المشركون إنا نعطي في الآخرة أفضل مما تعطون فقال الله تعالى تكذيبا للمشركين أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ يعني أن التسوية بين المسلم والمجرم غير جائزة فكيف يكون أفضل أو يعطى أفضل منه ولما قال تعالى ذلك على سبيل الاستبعاد والإنكار قال لهم على طريق الالتفات ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ يعني هذا الحكم المعوج أَمْ لَكُمْ كِتابٌ أي نزل من عند الله فِيهِ أي في ذلك الكتاب تَدْرُسُونَ أي تقرؤون إِنَّ لَكُمْ فِيهِ أي في ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ أي تختارون وتشتهون أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ معناه ألكم عهود ومواثيق مؤكدة عاهدناكم عليها فاستوثقتم بها منا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي لا تنقطع تلك الأيمان والعهود إلى يوم القيامة إِنَّ لَكُمْ أي في ذلك العهد لَما تَحْكُمُونَ أي لأنفسكم من الخير والكرامة عند الله تعالى ثم قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ أي أيهم كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ أي بل لهم شركاء يعني ما كانوا يجعلونه لله شريكا وإنما أضاف الشركاء إليهم لأنهم هم جعلوها شركاء لله، وقيل معنى شركاء شهداء يشهدون بصدق ما ادعوه فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ أي في دعواهم يَوْمَ يُكْشَفُ أي فليأتوا بشركائهم في ذلك اليوم لتنفعهم وتشفع لهم عَنْ ساقٍ أي عن أمر فظيع شديد قال ابن عباس هو أشد ساعة في القيامة تقول العرب للرجل إذا وقع في أمر عظيم فظيع يحتاج فيه إلى الجد ومقاساة الشدة شمر عن ساقك إذا قام في ذلك الأمر ويقال إذا اشتد الأمر في الحرب كشفت الحرب عن ساق وسئل ابن عباس عن هذه الآية فقال إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب أما سمعتم قول الشاعر:

سن لنا قومك ضرب الأعناق ... وقامت الحرب بنا على ساق

ثم قال ابن عباس هو يوم كرب وشدة وأنشد أهل اللغة أبياتا في هذا المعنى فمنها ما أنشده أبو عبيدة لقيس بن زهير:

فإن شمرت لك عن ساقها ... فدنها ربيع ولا تسأم

ومنها قول جرير:

ألا رب ساهي الطرف من آل مازن ... إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا

وقد كثر مثل هذا في كلام العرب حتى صار كالمثل للأمر العظيم الشديد (ق) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناسا في زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم قالوا يا محمد هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نعم هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما إذا كان يوم القيامة

<<  <  ج: ص:  >  >>