للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في التحريش بينهم. قال سعيد بن عبد العزيز: جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر وقال غيره حد جزيرة العرب من أقصى عدن أبين إلى ريف العراق في الطول ومن جدة وما والاها من ساحل البحر إلى أطراف الشام عرضا والقسم الثالث سائر بلاد الإسلام فيجوز للكافر أن يقيم فيها بعهد وأمان وذمة ولكن لا يدخلون المساجد إلا بإذن مسلم.

وقوله تعالى: بَعْدَ عامِهِمْ هذا يعني العام الذي حج فيه أبو بكر الصديق بالناس وفيه نادى على براءة وأن لا يحج بعد العام مشرك وهو سنة تسع من الهجرة وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً يعني فقرا وفاقة وذلك أن أهل مكة كانت معايشهم من التجارات وكان المشركون يجلبون إلى مكة الطعام ويتجرون فلما منعوا من دخول الحرم خاف أهل مكة من الفقر وضيق العيش فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل وإن خفتم عيلة فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ قال عكرمة: فأغناهم الله بأن أنزل المطر مدرارا وكثر خيرهم وقال مقاتل: أسلم أهل جدة وصنعاء وجرش من اليمن وجلبوا الميرة الكثيرة إلى مكة فكفاهم الله ما كانوا يخافون وقال الضحاك وقتادة: عوضهم الله منها الجزية فأغناهم بها إِنْ شاءَ قيل: إنما شرط المشيئة في الغنى المطلوب ليكون الإنسان دائم التضرع والابتهال إلى الله تعالى في طلب الخيرات ودفع الآفات وأن يقطع العبد أمله من كل أحد إلا من الله عز وجل فإنه هو القادر على كل شيء وقيل إن المقصود من ذكر هذا الشرط تعليم رعاية الأدب كما في قوله تبارك وتعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ يعني بما يصلحكم حَكِيمٌ يعني أنه تعالى لا يفعل شيئا إلا عن حكمة وصواب فمن حكمة أن منع المشركين من دخول الحرم وأوجب الجزية والذل والصغار على أهل الكتاب فقال تعالى:

[[سورة التوبة (٩): آية ٢٩]]

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩)

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ قال مجاهد: نزلت الآية حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال الروم فغزا بعد نزولها غزوة تبوك، وقال الكلبي: نزلت في قريظة والنضير من اليهود فصالحهم فكانت أول جزية أصابها أهل الإسلام وأول ذل أصاب أهل الكتاب بأيدي المسلمين وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين والمعنى قاتلوا أيها المؤمنون القوم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر.

فإن قلت اليهود والنصارى يزعمون أنهم يؤمنون بالله واليوم الآخر فكيف أخبر الله عنهم أنهم لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر؟

قلت: إيمانهم بالله ليس كإيمان المؤمنين وذلك أن اليهود يعتقدون التجسيم والتشبيه، والنصارى يعتقدون الحلول، ومن اعتقد ذلك فليس بمؤمن بالله. وقيل: من اعتقد أن عزيزا ابن الله وأن المسيح ابن الله فليس بمؤمن بالله بل هو مشرك بالله. وقيل: من كذب رسولا من رسل الله فليس بمؤمن بالله واليهود والنصارى يكذبون أكثر الأنبياء فليسوا بمؤمنين بالله. وأما إيمانهم باليوم الآخر، فليس كإيمان المؤمنين، وذلك أنهم يعتقدون بعثة الأرواح دون الأجساد ويعتقدون أن أهل الجنة لا يأكلون فيها ولا يشربون ولا ينكحون ومن اعتقد ذلك فليس إيمانه كإيمان المؤمنين وإن زعم أنه مؤمن.

وقوله تعالى: وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يعني: ولا يحرمون الخمر والخنزير. وقيل: معناه أنهم لا يحرمون ما حرم الله في القرآن ولا ما حرم رسوله في السنة. وقيل: معناه لا يعلمون بما في التوراة والإنجيل بل حرفوهما وأتوا بأحكام من قبل أنفسهم وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ يعني: ولا يعتقدون صحة الإسلام الذي هو

<<  <  ج: ص:  >  >>