عليهم عند الطاعة ولم يقطع عنهم بره وإحسانه عند المعصية. وقيل: هو الذي لطف عن أن تدركه الأبصار وهو يدركها.
قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ البصائر: جمع البصيرة، وهي الدلالة التي توجب البصر بالشيء والعلم به. والمعنى: قد جاءكم القرآن الذي فيه البيان والحجج التي تبصرون بها الهدى من الضلالة والحق من الباطل. وقيل: إن الآيات والبراهين ليست في أنفسها بصائر إلا أنها لقوّتها توجب البصائر لمن عرفها ووقف على حقائقها فلما كانت هذه الآيات والحجج والبراهين أسبابا لحصول البصائر سميت بصائر فَمَنْ أَبْصَرَ يعني فمن عرف الآيات واهتدى بها إلى الحق فَلِنَفْسِهِ يعني فلنفسه أبصر ولها عمل لأنه يعود نفع ذلك عليه وَمَنْ عَمِيَ يعني ومن جهل ولم يعرف الآيات ولم يستدل بها إلى الطريق فَعَلَيْها يعني فعلى نفسه عمى ولها ضر وكان وبال ذلك العمى عليه لأن الله تعالى غني عن خلقه وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يعني وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم إنما أنا رسول من ربكم إليكم أبلغكم ما أرسلت به إليكم والله هو الحفيظ عليكم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأحوالكم. وقيل معناه لا أقدر أن أدفع عنكم ما يريده الله بكم وقيل معناه لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ الوكيل وهذا كان قبل الأمر بقتال المشركين فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بآيات السيف وعلى القول الأول ليست منسوخة والله أعلم.
قوله عز وجل: وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ يعني وكذلك نبين الآيات ونفصلها في كل وجه كما صرفناها وبيناها من قبل وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ يعني وكذلك نصرف الآيات لتلزمهم الحجة وليقولوا درست. وقيل: معناه لئلا يقولوا درست وقيل اللام فيه لام العاقبة ومعناه عاقبة أمرهم أن يقولوا درست يعني قرأت على غيرك. يقال:
درس الكتاب يدرسه دراسة إذا أكثر قراءته وذلله للحفظ. قال ابن عباس: وليقولوا، يعني أهل مكة حين تقرأ عليهم القرآن درست يعني تعلمت من يسار وجبر وكانا عبدين من سبي الروم ثم قرأت علينا تزعم أنه من عند الله وقال الفراء: معناه تعلمت من اليهود وقرئ دارست بالألف بمعنى قارأت أهل الكتاب من المدارسة التي هي بين اثنين يعني يقولون قرأت على أهل الكتاب وقرءوا عليك وقرئ درست بفتح الدال والراء والسين وسكون التاء ومعناه أن هذه الأخبار التي تتلوها علينا قديمة فدرست وانمحت من قولهم فرس الأثر إذا محي وذهب أثره وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني القرآن وقيل: معناه نصرف الآيات لقوم يعلمون. قال ابن عباس: يريد أولياءه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد وقيل: معنى الآية وكذلك نصرف الآيات ليسعد بها قوم ويشفى بها آخرون فمن أعرض عنها وقال النبي صلى الله عليه وسلم: درست أو درست فهو شقي ومن تبين له الحق وفهم معناها وعمل بها فهو سعيد وقال أبو إسحاق: إن السبب الذي أداهم إلى أن قالوا درست هو تلاوة الآيات عليهم وهذه اللام تسميها أهل اللغة لام الصيرورة يعني صار عاقبة أمرهم أن قالوا دارست فصار ذلك سببا لشقاوتهم وفي هذا دليل على أن الله تعالى جعل تصريف الآيات سببا لضلالة قوم وشقاوتهم وسعادة قوم وهدايتهم.
قوله تعالى: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني اتبع يا محمد ما أمرك به ربك في وحيه الذي أوحاه إليك وهو القرآن فاعمل به وبلغه إلى البادي ولا تلتفت إلى قول من يقول: دارست أو درست. وفي قوله اتبع ما أوحي إليك من ربك تعزية لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وإزالة الحزن الذي حصل له بسبب قولهم درست ونبه بقوله