فيمن يعمر المسجد لأن المسجد عبارة عن الموضع الذي يعبد الله فيه فمن لم يكن مؤمنا بالله امتنع أن يعمر موضعا يعبد الله فيه واليوم الآخر يعني وآمن باليوم الآخر وأنه حق كائن لأن عمارة المسجد لأجل عبادة الله وجزاء أجره إنما يكون في الآخرة فمن أنكر الآخرة لم يعبد الله ولم يعمر له مسجدا.
فإن قلت لم لم يذكر الإيمان برسول الله مع أن الإيمان به شرط في صحة الإيمان.
قلت: إن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم داخل في الإيمان بالله فإن من آمن بالله واليوم الآخر فقد آمن برسول الله لأن من جهته عرف الإيمان بالله واليوم الآخر لأنه هو الداعي إلى ذلك وقيل إن المشركين كانوا يقولون أن محمدا إنما ادعى النبوة طلبا للرياسة والملك فأخبر الله عز وجل أن محمدا صلى الله عليه وسلم إنما دعا إلى الإيمان بالله واليوم الآخر لا لطلب الرياسة والملك فلذلك قال سبحانه وتعالى إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وترك ذكر الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل: إنه تبارك وتعالى قال بعد الإيمان بالله واليوم الآخر وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وكان ذلك مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أقام الصلاة وآتى الزكاة فقد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم واعلم أن الاعتبار بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في عمارة المساجد أن الإنسان إذا عمر المسجد أقام الصلاة وآتى الزكاة لأن عمارة المسجد إنما تلزم لإقامة الصلاة فيه ولا يشتغل بعمارة المسجد إلا إذا كان مؤديا للزكاة لأن الزكاة واجبة وعمارة المسجد نافلة ولا يشتغل الإنسان بالنافلة إلا بعد إكمال الفريضة الواجبة عليه.
وقوله تعالى: وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ يعني ولم يخف في الدين غير الله ولم يترك أمر الله لخشية الناس فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ وعسى من الله واجب يعني وأولئك هم المهتدون المتمسكون بطاعة الله التي تؤدي إلى الجنة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان فإن الله عز وجل يقول إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر» الآية أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن (ق) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح النزل ما يهيأ للضيف عند نزوله بالقوم (ق) عن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له بيتا في الجنة.
وفي رواية: بنى الله له في الجنة مثله. وعن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة. أخرجه الترمذي عن عمرو بن عنبسة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من بنى لله مسجدا ليذكر الله فيه بنى الله له بيتا في الجنة، أخرجه النسائي.
[[سورة التوبة (٩): آية ١٩]]
أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)
قوله سبحانه وتعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الآية (م) عن النعمان بن بشير قال:
كنت عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملا بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام. قال الآخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم فزجره عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله عز وجل أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر إلى آخرها.
وقيل: قال العباس حين أسروا يوم بدر لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد لقد كنا نعمر المسجد