للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما تحيض فقد خرجت من حد الصغار إلى حد الكبار فيقال لها أكبرت أي حاضت على هذا المعنى فإن صحت الرواية عن ابن عباس، سلمنا له وجعلنا الهاء في قوله أكبرنه هاء الوقف لا هاء الكناية، وقيل: إن المرأة إذا خافت أو فزعت فربما أسقطت ولدها وتحيض فإن كان ثم حيض فربما كان من فزعهن وما هالهن من أمر يوسف حين رأينه قال الإمام فخر الدين الرازي: وعندي أنه يحتمل وجها آخر وهو أنهن إنما أكبرنه لأنهن رأين عليه نور النبوة وسيما الرسالة آثار الخضوع والإخبات وشاهدن فيه مهابة وهيبة ملكية وهي عدم الالتفات إلى المطعوم والمنكوح وعدم الاعتداد بهن وكان ذلك الجمال العظيم مقرونا بتلك الهيبة والهيئة فتعجبن من تلك الحالة فلا جرم أكبرنه وأعظمنه ووقع الرعب والمهابة في قلوبهن قال وحمل الآية على هذا الوجه أولى وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ يعني: وجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج ولم يجدن الألم لدهشتهن وشغل قلوبهن بيوسف قال مجاهد فما أحسسن إلا بالدم، وقال قتادة: أين أيديهن حتى ألقينها والأصح أنه كان قطعا من غير إبانة، قال وهب: مات جماعة منهن وَقُلْنَ يعني النسوة حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً أي معاذ الله أن يكون هذا بشرا إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ يعني على الله والمقصود من هذا إثبات الحسن العظيم المفرط ليوسف لأنه قد ركز في النفوس أن لا شيء أحسن من الملك فلذلك وصفته بكونه ملكا وقيل لما كان الملك مطهرا من بواعث الشهوة

وجميع الآفات والحوادث التي تحصل للبشر وصفن يوسف بذلك.

[سورة يوسف (١٢): الآيات ٣٢ الى ٣٥]

قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤) ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥)

قوله تعالى: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ يعني قالت امرأة العزيز للنسوة لما رأين يوسف ودهشن عند رؤيته فذلكن الذي لمتنني في محبته وإنما قالت ذلك لإقامة عذرها عندهن حين قلن إن امرأة العزيز قد شغفها فتاها الكنعاني حبا وإنما قالت فذلكن الذي إلخ بعد ما قام من المجلس وذهب وقال صاحب الكشاف قالت فذلكن ولم تقل فهذا وهو حاضر رفعا لمنزلته في الحسن واستحقاق أن يحب ويفتن به ويجوز أن يكون إشارة إلى المعنى بقولهن عشقت عبدها الكنعاني تقول هو ذلك العبد الكنعاني الذي صورتن في أنفسكن ثم لمتنني فيه ثم إن امرأة العزيز صرحت بما فعلت فقالت وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ يعني فامتنع من ذلك الفعل الذي طلبته منه وإنما صرحت بذلك لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهن وأنهن قد أصابهن ما أصابها عند رؤيته ثم إن امرأة العزيز قالت وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ يعني وإن لم يطاوعني فيما دعوته إليه لَيُسْجَنَنَّ أي ليعاقبن بالسجن والحبس وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ يعني: من الأذلاء المهانين فقال النسوة ليوسف أطع مولاتك فيما دعتك إليه فاختار يوسف السجن على المعصية حين توعدته المرأة بذلك قالَ رَبِّ أي يا رب السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ قيل: إن الدعاء كان منها خاصة وإنما أضافه إليهن جميعا خروجا من التصريح إلى التعريض، وقيل: إنهن جميعا دعونه إلى أنفسهن، وقيل: إنهن لما قلن له أطع مولاتك صحت إضافة الدعاء إليهن جميعا أو لأنه كان بحضرتهن قال بعضهم أو لم يقل السجن أحب إليّ لم يبتل بالسجن والأولى بالعبد أن يسأل الله العافية وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ يعني ما أردن مني أَصْبُ إِلَيْهِنَّ أي أمل إليهن يقال صبا فلان إلى كذا إذا مال إليه واشتاقه وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يعني من المذنبين وقيل معناه أكن ممن يستحق صفة الذم بالجهل، وفيه دليل على أن من ارتكب ذنبا إنما يرتكبه عن جهالة فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ يعني فأجاب الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>