للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٥٥ الى ٥٨]

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨)

وقوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ يعني في علمه وحكمه الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ والمعنى أن شر الدواب من الإنس الكفار المصرون على الكفر نزلت في يهود بني قريظة رهط كعب بن الأشرف الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ قيل: من صلة يعني الذين عاهدتهم وقيل: هي للتبعيض لأن المعاهدة مع بعض القوم وهم الرؤساء والأشراف ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ قال المفسرون: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عاهد يهود بني قريظة أن لا يحاربوه ولا يعاونوا عليه فنقضوا العهد وأعانوا مشركي مكة بالسلاح على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثم قالوا نسينا وأخطأنا فعاهدهم الثانية فنقضوا العهد أيضا ومالؤوا الكفار على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وركب كعب بن الأشرف إلى مكة فوافقهم على مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُمْ لا يَتَّقُونَ يعني أنهم لا يخافون الله في نقض العهد لأن عادة من يرجع إلى دين وعقل وحزم أن يتقي نقض العهد حتى يسكن الناس إلى قوله ويثقون بكلامه فبين الله عز وجل أن من جمع بين الكفر ونقض العهد فهو من شر الدواب فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ يعني فأما تجدن هؤلاء الذين نقضوا العهد وتظفرن بهم في الحرب فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ قال ابن عباس: معناه فنكل بهم من ورائهم.

وقال سعيد بن جبير: أنذر بهم من خلفهم وأصل التشريد في اللغة التفريق مع اضطراب ومعنى الآية إنك إذا ظفرت بهؤلاء الكفار الذين نقضوا العهد فافعل بهم فعلا من القتل والتنكيل تفرق به جمع كل ناقض للعهد حتى يخافك من وراءهم من أهل مكة واليمن لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ يعني لعل ذلك النكال يمنعهم من نقض العهد وَإِمَّا تَخافَنَّ يعني وإما تعلمن يا محمد مِنْ قَوْمٍ يعني معاهدين خِيانَةً يعني نقضا للعهد بما يظهر لك منهم من آثار الغدر كما ظهر من بني قريظة والنضير فَانْبِذْ أي فاطرح إِلَيْهِمْ يعني عهدهم وارم به إليهم عَلى سَواءٍ يعني على طريق ظاهر مستو يعني أعلمهم قبل حربك إياهم إنك قد فسخت العهد بينك وبينهم حتى تكون أنت وهم في العلم ينقض العهد سواء فلا يتوهمون أنك نقضت العهد أولا بنصب الحرب معهم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ يعني في نقض العهد عن سليم بن عمر عن رجل من حمير قال: كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم ليقرب حتى إذا انقضى العهد غزاهم فجاءه رجل على فرس أو برذون وهو يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدرا فإذا هو عمرو بن عنبسة فأرسل إليه معاوية فسأله فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء، فرجع معاوية» أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي عن سليم بن عامر نفسه بلا زيادة رجل من حمير وعنده الله أكبر مرة واحدة وفيه جاء على دابة أو فرس وأما حكم الآية فقال أهل العلم إذا ظهرت آثار نقض العهد ممن هادهم الإمام من المشركين بأمر ظاهر مستفيض استغنى الإمام عن نبذ العهد وإعلامهم بالحرب وإن ظهرت الخيانة بأمارات تلوح وتتضح له من غير أمر مستفيض فحينئذ يجب على الإمام أن ينبذ إليهم العهد ويعلمهم بالحرب وذلك لأن قريظة كانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم أجابوا أبا سفيان ومن معه من المشركين إلى مظاهرتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم خوف الغدر به وبأصحابه فهاهنا يجب على الإمام أن ينبذ إليهم على سواء ويعلمهم بالحرب وأما إذا ظهر نقض العهد ظهروا مقطوعا به فلا حاجة للإمام إلى نبذ العهد بل يفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل مكة لما نقضوا العهد بقتل خزاعة وهم في ذمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرعهم إلا وجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران وذلك على أربع فراسخ من مكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>