يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ قال ابن عباس لما حرم الربا أباح السلم وقال: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه. وقوله إِذا تَدايَنْتُمْ أي تعاملتم بالدين أو داين بعضكم بعضا والتداين تفاعل من الدين يقال داينته إذا عاملته بالدين وإنما قال بدين بعد قوله: إذا تداينتم لأن المداينة قد تطلق على المجازاة وعلى المعطاة فقيده بالدين ليعرف المراد من اللفظ ويخلص أحد المعنيين من الآخر. وقيل إنما قال بدين ليرجع الضمير إليه في قوله: فاكتبوه إذ لو لم يذكر ذلك لوجب أن يقال: فاكتبوا الدين فلا يحسن النظم بذلك وقيل إنما ذكره تأكيدا إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى مدة معلومة الأول والآخر مثل السنة والشهر ولا يجوز إلى غير مدة معلومة كما لو قال إلى الحصاد أو نحوه والأجل يلزم في الثمن في البيع وفي السلم حتى لا يكون لصاحب الحق الطلب قبل محل الأجل بخلاف القرض فإنه لا يلزم فيه الأجل عند أكثر أهل العلم. (ق) عن ابن عباس قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة وهم يسلفون في التمر العام والعامين فقال لهم: «من أسلف في تمر ففي كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم» وقوله تعالى: فَاكْتُبُوهُ أي اكتبوا الدين الذي تداينتم به بيعا كان ذلك أو سلما أو قرضا واختلفوا في هذه الكتابة فقيل: هي واجبة وهو مذهب عطاء وابن جريج والنخعي واختاره محمد بن جرير الطبري وقيل الأمر محمول على الندب والاستحباب فإن ترك فلا بأس وهو قول جمهور العلماء وقيل بل كانت الكتابة والإشهاد والرهن فرضا ثم نسخ بقوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وهو قول الحسن والشعبي والحكم بن عيينة ثم بين الله تعالى كيفية الكتابة فقال تعالى: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ أي ليكتب الدين بين الطالب والمطلوب كاتب بِالْعَدْلِ أي بالحق من غير زيادة ولا نقصان ولا تقديم أجل ولا تأخيره قيل إن فائدة الكتابة هي حفظ المال من الجانبين لأن صاحب الدين إذا علم أن حقه مقيد بالكتابة تعذر عليه طلب زيادة أو تقديم المطالبة قبل حلول الأجل، ومن عليه الدين إذا عرف ذلك تعذر عليه الجحود أو النقص من أصل الدين الذي عليه، فلما كانت هذه الفائدة من الكتابة أمر الله تعالى بها وَلا يَأْبَ أي ولا يمتنع كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ واختلفوا في وجوب الكتابة على الكاتب وتحمل الشهادة على الشاهد فقيل بوجوبهما لأن ظاهر الكلام نهى عن الامتناع من الكتابة وإيجابها على كل كتاب فإذا طولب بالكتابة وتحمل الشهادة من هو من أهلهما وجب عليه ذلك. وقيل: هو من فرض الكفاية وهو قول الشعبي فإن لم يوجد إلّا واحد وجب عليه ذلك وقيل هو على الندب والاستحباب وذلك لأن الله تعالى لما علمه الكتابة وشرفه بها استحب له أن يكتب ليقضي حاجة أخيه المسلم ويشكر تلك النعمة التي أنعم الله بها عليه وقيل: كانت الكتابة وتحمل الشهادة واجبتين على الكاتب والشاهد ثم نسخهما الله تعالى بقوله: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ أي كما شرعه الله وأمر به فَلْيَكْتُبْ وذلك أن يكتب بحيث لا يزيد ولا ينقص ويكتب ما يصلح أن يكون حجة عند الحاجة ولا يخص أحد الخصمين بالاحتياط له دون الآخر، وأن يكون كل واحد منهما آمنا من أبطال حقه، وأن يكون ما يكتبه متفقا عليه عند العلماء، وأن يحترز من الألفاظ التي يقع النزاع فيها وهذه الأمور لا تحصل إلّا لمن هو فقيه عالم باللغة ومذاهب العلماء. وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ يعني أن المطلوب الذي عليه الحق يقر على نفسه بلسانه ليعلم ما عليه من الحق فيذكر قدره وجنسه وصفة الأجل ونحو ذلك.
والإملال والإملاء لغتان فصيحتان معناهما واحد وَلْيَتَّقِ اللَّهَ ربه يعني المملي وَلا يَبْخَسْ أي ولا ينقص مِنْهُ أي من الحق الذي وجب شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أي جاهلا بالإملاء وقيل هو الطفل