وقال وقد رواه بعضهم ولم يرفعه وقوله وذلك من وحي الشيطان يعني من وسوسته وحديثه كما جاء أنه خدعهما مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض. قال ابن عباس: لما ولد له أول ولد آتاه إبليس فقال إني أنصح لك في شأن ولدك هذا تسميه عبد الحارث وكان اسمه في السماء الحارث فقال آدم: أعوذ بالله من طاعتك إني أطعتك في أكل الشجرة فأخرجتني من الجنة فلن أطيعك فمات ولده ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر فقال أطعني وإلا مات كما مات الأول فعصاه فمات ولده، فقال لا أزال أقتلهم حتى تسميه عبد الحارث فلم يزل به حتى سماه عبد الحارث فذلك فقوله تعالى:
فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما قال ابن عباس: أشركاه في طاعته في غير عبادة ولم يشركا بالله ولكن أطاعاه. وقال قتادة: أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة. وقال عكرمة ما أشرك آدم ولا حواء وكان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان فقال إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فهو قوله تعالى جعلا له شركاء فيما آتاهما قرئ شركا بكسر الشين مع التنوين ومعناه شركة وقال أبو عبيدة معناه حظا ونصيبا وقرئ شركاء بضم الشين مع المد جمع شريك يعني إبليس عبر عن الواحد بلفظ الجمع يعني جعلا له شريكا إذ سميا ولدهما عبد الحارث. قال العلماء: ولم يكن ذلك شركا في العبادة ولا أن الحارث رب لهما لأن آدم عليه الصلاة والسلام كان نبيا معصوما من الشرك ولكن قصد بتسميتهما الولد بعبد الحارث أن الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامته وسلامة أمه وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه مملوك كما قال الشاعر:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويا
أخبر عن نفسه أنه عبد الضيف ما أقام عنده مع بقاء الحرية عليه وإنما أراد بالعبودية خدمة الضيف والقيام بواجب حقوقه كما يقوم العبد بواجب حقوق سيده. وقد يطلق اسم الرب بغير الألف واللام على غير الله كقول يوسف عليه الصلاة والسلام لعزيز مصر «إنه ربي أحسن مثواي» أراد به التربية ولم يرد به أنه ربه ومعبوده فكذلك هنا وإنما أخبر عن آدم عليه السلام بقوله سبحانه وتعالى: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ولأن منصب النبوة أشرف المناصب وأعلاها فعاتبه الله على ذلك لأنه نظر إلى السبب ولم ينظر إلى المسبب والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. قال العلماء: وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله فيما آتاهما ثم ابتدأ في الخبر عن الكفار بقوله تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ نزه نفسه سبحانه وتعالى عن إشراك المشركين من أهل مكة وغيرهم وهذا على العموم، ولو أراد آدم وحواء لقال سبحانه وتعالى فتعالى الله عما يشركان على التثنية لا على الجمع وقال بعض أهل المعاني: ولو أراد به ما سبق في معنى الآية فمستقيم أيضا من حيث إنه كان الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في التسمية فكان الأولى أن يسمياه عبد الله لا عبد الحارث وفي معنى الآية قول آخر وهو أنه راجع إلى جميع المشركين من ذرية آدم وهو قول الحسن وعكرمة ومعناه وجعل أولادهما له شركاء فحذف ذكر الأولاد وأقامهما مقامهم كما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء بقوله: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فعير به اليهود الذين كانوا موجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من فعل آبائهم وقال عكرمة: خاطب كل واحد من الخلق بقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي خلق كل واحد من أبيه وجعل منها زوجها أي وجعل من جنسها زوجها آدمية مثله وهذا قول حسن إلا أن القول وورد الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولادا فهوّدوهم ونصّروهم وقال ابن كيسان: هم الكفار سموا أولادهم بعبد العزى وعبد شمس وعبد الدار ونحو ذلك.