أعلم وقت الخصب والجدب لاستكثرت من المال وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ يعني الضر والفقر والجوع. وقال ابن جريج: معناه لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا من الهدى والضلالة ولو كنت أعلم الغيب يريدون وقت الموت لاستكثرت من الخير يعني من العمل الصالح. وقيل إن أهل مكة لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة أنزل الله تعالى الآية الأولى وهذه الآية ومعناه: أنا لا أدعي علم الغيب حتى أخبركم عن وقت قيام الساعة وذلك لما طالبوه بالإخبار عن الغيوب فذكر أن قدرته قاصرة عن علم الغيب.
فإن قلت: قد أخبر صلى الله عليه وسلم عن المغيبات وقد جاءت أحاديث في الصحيح بذلك وهو من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم فكيف الجمع بينه وبين قوله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير؟
قلت: يحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع والأدب والمعنى لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله عليه ويقدره لي. ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله عز وجل على الغيب فلما أطلعه الله عز وجل أخبر به كما قال تعالى: فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم ثم بعد ذلك أظهره الله سبحانه وتعالى عن أشياء من المغيبات فأخبر عنها ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وقوله وما مسنى السوء يعني الجنون وذلك أنهم نسبوه إلى الجنون وقيل معناه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من تحصيل الخير واحترزت عن الشر حتى أصير بحيث لا يمسني السوء وقيل معناه ولو كنت أعلم الغيب لأعلمتكم بوقت قيام الساعة حتى تؤمنوا وما مسني السوء يعني قولكم لو كنت نبيا لعلمت متى تقوم الساعة إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ يعني ما أنا إلا رسول أرسلني الله إليكم أنذركم وأخوفكم عقابه إن لم تؤمنوا وَبَشِيرٌ يعني وأبشر بثوابه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يعني يصدقون.
قوله عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم عليه السلام وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها يعني وخلق منها زوجها حواء قد تقدم كيفية خلق حواء من ضلع آدم في أول سورة النساء لِيَسْكُنَ إِلَيْها يعني ليأنس بها ويأوي فَلَمَّا تَغَشَّاها يعني واقعها وجامعها كنى به عن الجماع أحسن كناية لأن الغشيان إتيان الرجل المرأة وقد غشيها وتغشاها إذا علاها وتجللها حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً يعني النطفة والمني لأن أول ما تحمل النطفة وهي خفيفة عليها فَمَرَّتْ بِهِ يعني أنها استمرت بذلك الحمل فقامت وقعدت وهو خفيف عليها فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أي صارت إلى حال الثقل وكبر ذلك الحمل ودنت مدة ولادتها دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُما يعني أن آدم وحواء دعوا الله ربهما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً يعني لئن أعطيتنا بشرا سويا مثلنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ يعني لك على إنعامك علينا. قال المفسرون: لما هبط آدم وحواء إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم فأصاب حواء فحملت من ساعتها فلما ثقل الحمل وكبر الولد أتاها إبليس فقال لها: ما الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري قال: إني أخاف أن يكون بهيمة أو كلبا أو خنزيرا أترين في الأرض إلا بهيمة أو نحوها قالت: إني أخاف بعض ذلك قال وما يدريك من أين خرج أمن دبرك أم من فيك أو يشق بطنك فيقتلك فخافت حواء من ذلك وذكرته لآدم فلم يزالا في غم من ذلك ثم عاد إليها إبليس فقال لها إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقا سويا مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث فذكرت ذلك حواء لآدم عليه السلام فقال لعله صاحبنا الذي قد علمت فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتى غرهما فلما ولدت سمياه عبد الحارث. وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم فيسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فولدت فسمياه عبد الحارث فعاش. عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فسمته فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة