للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصدقون أن الذي أخرج هذا النبات وهذه الثمار قادر على أن يحيي الموتى ويبعثهم وإنما احتج الله عليهم بتصريف ما خلق ونقله من حال إلى حال وهو ما يعلمونه قطعا ويشاهدونه من إحياء الأرض بعد موتها وإخراج سائر أنواع النبات والثمار منها وأنه لا يقدر على ذلك أحد إلا الله تعالى ليبين أنه تعالى كذلك قادر على أن يحييهم بعد موتهم ويبعثهم يوم القيامة فاحتج عليهم بهذه الأشياء لأنهم كانوا ينكرون البعث قوله تعالى:

[سورة الأنعام (٦): الآيات ١٠٠ الى ١٠٢]

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢)

وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ قال الحسن: معناه أطاعوا الجن في عبادة الأوثان. وهو اختيار الزجاج. قال:

معناه إنهم أطاعوا الجن فيما سولت لهم من شركهم فجعلوهم شركاء لله. وقال الكلبي: نزلت في الزنادقة أثبتوا الشرك لاثنين في الخلق فقالوا الله خالق النور والناس والدواب والأنعام وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب ونقل هذا القول ابن الجوزي عن ابن السائب ونقله الرازي عن ابن عباس. قال الإمام فخر الدين:

وهذا مذهب المجوس. وإنما قال ابن عباس: هذا قول الزنادقة، لأن المجوس يلتبسون بالزندقة، لأن الكتاب الذي زعم زرادشت أنه نزل من السماء سماه بالزند والمنسوب إليه زندي ثم عرب: فقيل: زنديق فإذا جمع، قيل: زنادقة. ثم إن المجوس قالوا: كل ما يكون في هذا العالم من الخير فهو من يزدان يعني النور وجميع ما في العالم من الشر فهو من الظلمة يعني إبليس ثم اختلف المجوس فالأكثرون منهم على أن إبليس محدث ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة والأقلون منهم قالوا: إنه قديم وعلى كلا القولين فقد اتفقوا على أنه شريك الله في تدبير هذا العالم فما كان من خير فمن الله وما كان من شر فمن إبليس تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا.

فإن قلت فعلى هذا القول إنما أثبتوا لله شريكا واحدا وهو إبليس فكيف حكى الله أنهم جعلوا له شركاء قلت: إن إبليس له أعوان من جنسه وحزبه وهم شياطين الجن يعملون أعماله فصح ما حكاه الله عنهم من أنهم جعلوا له شركاء الجن ومعنى الآية وجعلوا الجن شركاء لله واختلفوا في معنى هذه الشركة فمن قال إن الآية في كفار العرب قال إنهم لما أطاعوا الجن فيما أمروهم به من عبادة الأصنام فقد جعلوهم شركاء لله ومن قال إنها في المجوس قال إنهم أثبتوا إلهين اثنين النور والظلمة، وقيل إن كفار العرب قالوا الملائكة بنات الله وهم شركاؤه فعلى هذا القول فقد جعلوا الملائكة من الجن وذلك لأنهم مستورون عن الأعين.

وقوله وَخَلَقَهُمْ في معنى الكناية قولان: أحدهما: أنها تعود إلى الجن فيكون المعنى: والله خلق الجن فكيف يكون شريك الله من هو محدث مخلوق.

والقول الثاني: إن الكناية تعود إلى الجاعلين لله شركاء فيكون المعنى: وجعلوا لله الذي خلقهم شركاء لا يخلقون شيئا.

وهذا كالدليل القاطع بأن المخلوق لا يكون شريكه لله وكل ما في الكون محدث مخلوق والله تعالى هو الخالق لجميع ما في الكون فامتنع أن يكون لله شريك في ملكه وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي اختلقوا وكذبوا يقال: اختلق واخترق على فلان إذا كذب عليه وذلك أن النصارى وطائفة من اليهود ادعوا أن لله ابنا، وكفار العرب ادعوا أن الملائكة بنات الله وكذبوا على الله جميعا فيما ادعوه وقوله بِغَيْرِ عِلْمٍ كالتنبيه على ما هو الدليل القاطع على فساد هذا القول لأن الولد جزء من الأب والله سبحانه وتعالى لا يتجزأ فثبت بهذا فساد قول من يدعي أن لله ولدا ثم نزه الله تعالى نفسه عن اتخاذ الولد وعن هذه الأقاويل الفاسدة فقال تعالى: سُبْحانَهُ وَتَعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>