للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن الوجه الثالث: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء وهو محرم فنقول لا نسلم أن أخذ الفداء كان محرما وأما قوله سبحانه وتعالى تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة ففيه عتاب لطيف على أخذ الفداء من الأسارى والمبادرة إليه ولا يدل على تحريم الفداء إذ لو كان حراما في علم الله لمنعهم من أخذه مطلقا.

والجواب عن الوجه الرابع: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قعدا يبكيان يحتمل أن يكون لأجل أن بعض الصحابة لما خالف الأمر بالقتل واشتغل بالأسر استوجب بذلك الفعل العذاب فبكى النبي صلى الله عليه وسلم خوفا وإشفاقا من نزول العذاب عليهم بسبب ذلك الفعل وهو الأسر وأخذ الفداء والله أعلم.

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٦٨ الى ٦٩]

لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)

قوله عز وجل: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ قال ابن عباس: كانت الغنائم محرمة على الأنبياء والأمم فكانوا إذا أصابوا مغنما جعلوه للقربان فكانت النار تنزل من السماء فتأكله فلما كان يوم بدر أسرع المؤمنون في أخذ الغنائم والفداء فأنزل الله عز وجل: لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يعني لولا قضاء من الله سبق في اللوح المحفوظ بأنه يحل لكم الغنائم. ثم لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير: لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذب أحدا ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن جريج: لولا كتاب من الله سبق أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون وأنه لا يأخذ قوما فعلوا بجهالة لمسكم يعني لأصابكم بسبب ما أخذتم من الفداء قبل أن تؤمروا به عذاب عظيم قال محمد بن إسحاق: لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر بدرا إلا وأحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب فإنه أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسرى وسعد بن معاذ فإنه قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر وسعد بن معاذ.

وقوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً يعني قد أحلت لكم الغنائم وأخذ الفداء فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا.

روي أنه لما نزلت الآية الأولى كف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم عما أخذوا من الفداء فنزلت فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنائم بهذه الآية لهذه الأمة وكانت قبل ذلك حراما على جميع الأمم الماضية صح من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي» (ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ولم تحل الغنائم لأحد قبلنا ثم أحل الله لنا الغنائم وذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا.

وقوله سبحانه وتعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يعني وخافوا الله أن تعودوا وإن لم تفعلوا شيئا من قبل أنفسكم قبل أن تؤمروا به واعلموا أن الله قد غفر لكم ما أقدمتم عليه من هذا الذنب ورحمكم وقيل في قوله واتقوا الله إشارة إلى المستقبل وقوله إن الله غفور رحيم إشارة إلى الحالة الماضية.

[سورة الأنفال (٨): الآيات ٧٠ الى ٧١]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)

قوله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ نزلن في العباس بن عبد المطلب عم رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>