للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إلى قوله فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً فأحل الله الغنيمة لهم ذكره الحميدي في مسنده عن عمر بن الخطاب من إفراد مسلم بزيادة فيه.

أما تفسير الآية، فقوله تعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى يعني ما كان ينبغي ولا يجب لنبي. وقال أبو عبيدة: معناه لم يكن لنبي ذلك فلا يكون لك يا محمد والمعنى ما كان لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه وصار في يده أسيرا للفداء والمن، والأسرى جمع أسير وأسارى جمع الجمع حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الإثخان في كل شيء عبارة عن قوته وشدته. يقال: أثخنه المرض إذ اشتدت قوته عليه والمعنى حتى يبالغ في قتال المشركين ويغلبهم ويقهرهم فإذا حصل ذلك فله أن يقدم على الأسر فيأسر الأسارى تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعني تريدون أيها المؤمنون عرض الدنيا بأخذكم الفداء من المشركين وإنما سمى منافع الدنيا عرضا لأنه لا ثبات لها ولا دوام فكأنها تعرض ثم تزول بخلاف منافع الآخرة فإنها دائمة الانقطاع لها، وقوله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني أنه سبحانه وتعالى يريد لكم ثواب الآخرة بقهركم المشركين ونصركم الدين لأنها دائمة بلا زوال ولا انقطاع وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يقهر ولا يغلب حَكِيمٌ يعني في تدبير مصالح عباده.

قال ابن عباس: كان ذلك يوم بدر والمؤمنون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله سبحانه وتعالى في الأسارى فأما منا بعد وإما فداء فجعل الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وإن شاؤوا فادوهم وإن شاؤوا أعتقوهم. قال الإمام فخر الدين: إن هذا الكلام يوهم أن قوله فأما منا بعد وإما فداء يزيل حكم الآية التي نحن في تفسيرها وليس الأمر كذلك لأن كلتا الآيتين متوافقتان وكلتاهما تدلان على أنه لا بد من تقديم الإثخان ثم بعده أخذ الفداء. قال العلماء: كان الفداء لكل أسير أربعين أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون مجموع ذلك ألفا وستمائة درهم. وقال قتادة: كان الفداء يومئذ لكل أسير أربعة ألاف درهم.

(فصل) قد استدل بهذه الآية من يقدح في عصمة الأنبياء. وبيانه من وجوه:

الأول: أن قوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى صريح في النهي عن أخذ الأسارى وقد وجد ذلك يوم بدر.

الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقومه بقتل المشركين يوم بدر فلما لم يقتلوهم بل أسروهم دل ذلك على صدور الذنب منهم.

الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأخذ الفداء وهو محرم وذلك ذنب.

الوجه الرابع: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قعدا يبكيان لأجل أخذ الفداء وخوف العذاب وقرب نزوله.

والجواب عن الوجه الأول: أن قوله سبحانه وتعالى: ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض يدل على أنه كان الأسر مشروعا ولكن بشرط الإثخان في الأرض وقد حصل لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قتلوا يوم بدر سبعين رجلا من عظماء المشركين وصناديدهم وأسروا سبعين وليس من شرط الإثخان في الأرض قتل جميع الناس فدلت الآية على جواز الأسر بعد الإثخان وقد حصل.

والجواب عن الوجه الثاني: أن الأمر بالقتل إنما كان مختصا بالصحابة لإجماع المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بمباشرة قتال الكفار بنفسه وإذا ثبت أن الأمر بالقتل كان مختصا بالصحابة كان الذنب صادرا منهم لا من النبي صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>